فانطلقت المنظمات “الرديفة” لحزب البعث، لتصنف المجتمع في منظمات “شعبية” حسب وصف بيانات تأسيسها المزعومة! ولم يتعامل النظام مع وجود حزبه الحديدي من مبدأ منافس سياسي، إنما اعتمد على جبهة سياسية وضع الأحزاب كلها تحت جناحه وهي (الجبهة الوطنية التقديمة) إضافة إلى المحاولات المستمرة لتدجين أية مبادرة أهلية شبابية أو عمالية أو طلابية أو نسائية أو نقابية، ليبرمجها داخل منظومته العقائدية، بعيداً عن الاجتهاد الفكري والنقاشات السياسية والمواقف المغايرة لمصلحة رأس النظام وحاشيته الأمنية. أسماء لهيئات “سياسية”، فرغت أجهزة المخابرات، مضمونها الحضاري كمقترح منفصل عن قطيع الحاكم، لتتحول شيئاً فشيئاً إلى أفرع أمنية مصغرة، لا تمتلك السلاح وأقبية التعذيب، إنما لديها زعامات شربت حليب البعث منذ الطفولة، وتعتقد بأن “القائد” هو الحاكم بأمر الحقيقة وكل من يخالفه عدو للوطن!
لو اطلعنا على بعض تلك المنظمات لاكتشفنا مدى هيمنتها على الحياة الشعبية بمختلف أشكالها، مثلاً منذ الطفولة في سورية في سن السابعة، يُنسب الأطفال اجبارياً إلى منظمة “طلائع البعث” لمحو مخيلتهم وكتابة قواعد “النجاة” من خلال رؤية وأقوال “الأب القائد” و معتقدات “البعث” واستخدام الخطابات الرنانة ضد أعداء الوطن بمن فيهم كل شخص يعارض الاستبداد الأسدي، ثم في مرحلة المراهقة تأتي منظمة “اتحاد شبيبة الثورة” لتنسب طلاب المدارس الإعدادية من عُمْرِ الثالثة عشر إلى “حزب البعث” وكل من يرفض الانتساب سوف يتعرض لمسائلة أمنية شرسة ويستدعى ولي أمره وربما يحارب بشكل مباشر، ما قد يسبب فصله من المدرسة! أمّا في المرحلة الجامعية، ينتظر الشباب السوري “اتحاد طلبة سورية” الذي يعمل كمراقب لأي تحرك سياسي أو ثقافي داخل جامعات سورية، حيث يحتاج ذاك التحرك بشكل قطعي لتنسيق وإشراف مباشر من جهاز أمن الجامعة المكوّن أساساً من هذا الاتحاد، وبالتالي فإن كل مراحل التعليم في سورية خاضعة لعين البعث ومنظماته وتقاريرها القاتلة.
تلك المنظمات المصغرة، لعبت دوراً خطيراً في تحجيم المواطن السوري، ووضعه على ملزمة الضغط الفكري والنفسي، وحتى لو فكر في ترك الدراسة سوف يكون بانتظاره المنظمات المهنية والحرفية التابعة للحزب. ولو أنهى دراسته وتخرّج، وربما وجد وظيفة ما، سوف يكون عليه أن ينتسب لنقابة مهنته أو اتحاد حرفته، وذلك يحتاج أن يكون بعثياً (…) وإلا خسر الكثير من التسهيلات للعمل والتحرك داخل دوائر “الدولة”، ولكن، هناك منظمة تأخذ طابعاً عنصرياً أكثر منه سياسياً وهي لفصل النساء عن المجتمع وجعلهن أدوات سلطوية خاصة، رغم ادعائها التحرر السياسي والاجتماعي، إلا أنها تعتبر أكثر تجربة أثبت هزيمة هذا الحزب في إدارة المجتمع وتقطيع أوصاله، هي منظمة “الاتحاد النسائي” الذي حلّه النظام السوري مؤخراً دون تبريرات مقنعة سوى لنهاية دوره الذي كان نشطاً في الثمانينات لاختراق أي تجمع سياسي سري وتوصيله إلى أقبية الموت البعثي.
أجل، إن إلغاء هذه الهيئة الأمنية، التي أهانت المرأة السورية، وفصلتها عن الواقع لتجندها في خدمة الحزب، لهي فرصة حقيقة للتأكيد أن البعث يتساقط. الحزب الأمني الواقف على معتقدات مزيفة، قد انتهى من دور النساء في الداخل السوري، ووزعهن على أفرعه وشعبه وفرقه الحزبية في الأحياء وعلى جبهات القتال كمليشيات “لبوات الأسد”، أو ربما وجد لهن وظائف في دوائر “الدولة” بوصفهن مخلصات لمسيرة النضال المزعومة! سوف يلحق اتحاد الطلبة واتحاد الشبيبة وطلائع البعث، بالاتحاد النسائي، إلى الهاوية، إلا في حال تسلّحت تلك كوادر تلك الهيئات ليتخلص النظام من طغيانها في “كتائب البعث” ومليشيات “الدفاع الوطني” من ثم إلى الجحيم.
كل ذلك سوف يكون ببطء الموت الذي يسير على الأرض السورية ومن نفوس الشعب المسكين. ولا يقل حل القيادة “القومية” لحزب البعث، أهمية عن نتائج انهيار هذه المنظومة التي أخصت الحياة السياسية وفي سورية، وبين الحين والآخر يدّعي الحزب ترتيب بيته الداخلي الذي لم يفرز حتى الآن شخصية اعتبارية يمكن لها أن تتحدث بإقناع للناس بعيداً عن مسننات أجهزة الأمن السياسي والخطابات الجاهزة المكتوبة تحت صورة الدكتاتور ومزاعم مواجهته “للمؤامرة الكونية”، إذ تستوجب هذه المواجهة تخفيف نفقات البعث، وانحلال هيئاته المهزومة بفضل الثورة السورية.
Sorry Comments are closed