قصة إبادة معلنة هو ما يحدث في الغوطة الشرقية، حيث أحدث الطيران الروسي يلقي بأضخم قنابله، ويشاركه طيران النظام الذي اعتاد على التدمير الشامل، كما ظهر، في جزء كبير من سورية، جرى تقديره بأنه يشمل نصف سورية. لكن لا بدّ من أن يكون واضحاً أن هذه المعركة روسية بامتياز، كما كان في حلب. واستخدام الأسلحة الكيماوية بات معلناً من هيئة حظر الأسلحة الكيماوية، ومؤسسات الأمم المتحدة. والحصار الشديد يطاول ما يقرب من ثلاثة ملايين سوري، حسب هيئات الأمم المتحدة.
بالتالي، مجزرة الغوطة الشرقية معلنة، واتخذ مجلس الأمن قراراً يفرض وقفا شاملا لإطلاق النار في كل الأراضي السورية، وأولها الغوطة، لكن روسيا التي وافقت على القرار استمرت في قصفها وتدميرها، معلنةً أنها تريد إخراج المسلحين والسكان منها. أي عملية تهجير جديدة اتبعها النظام، وتتبعها روسيا، من أجل السيطرة بعد ترحيل كل من تمرَّد وأراد تغييره. تريد روسيا الانتصار بأي ثمن، وكذلك النظام، ولهذا ليس سوى المجازر، المعلنة والموصوفة، والمنقولة “على الهواء مباشرة”.
ما خرجت به دول العالم هو القرار 2401 غير الملزم، والذي لم يطبَّق. واكتفت إلى الآن بالشجب والتنديد وتحميل روسيا تبعات ما يجري، والتحرّك الدبلوماسي من أن الضغط على روسيا للضغط بدورها على النظام، على الرغم من أنها مالك القرار السياسي والعسكري في سورية، منذ فرضت وجودها العسكري طويل الأمد (أي الاحتلال). وحتى حينما “تتدخل” أميركا، يبدو أن تدخلها هو “رفع عتب”، أو ضغط على روسيا من أجل مسائل أخرى. يوضح هذا الوضع ما كررته طويلاً، وهو أن كل الدول الإمبريالية والإقليمية لم تمانع، وما زالت لا تمانع، بل تريد أن تُسحق الثورة في سورية، للتخلص من كابوس “الثورات العربية”، ومن خطر امتداده عالمياً. لهذا، هي تتسلى في إصدار بيانات الاحتجاج والشجب، كي تقول إنها تضغط، وإنها ترفض ما تمارسه روسيا ويقوم به النظام السوري. لكنها في الواقع فرحةٌ بما يقوم به هؤلاء، فروسيا تقوم بمهمتها الرجعية التي كانت تلعبها زمن القيصرية، والمتمثلة في سحق ثورات الشعوب. وهو ما أعلنه وزير الدفاع، سيرجي شويغو، صراحةً، حينما قال إنه كسر موجة الثورات العربية.
ولأن هذه الدول تريد للمجزرة أن تكتمل، فقد أدخلت الفصائل المسلحة في متاهات “خفض التوتر”، بحيث خضعت فصائل الجنوب السوري لهذا الأمر، وباتت تراقب المجزرة المتنقلة من دون أن تلمس أنها ستصل إليها. لقد قرّرت أميركا وروسيا والأردن والدولة الصهيونية تحقيق “التهدئة” هناك، وأمام كل الوحشية التي تشهدها الغوطة لم تحرّك ساكناً. وفصائل الشمال الغربي باتت أداةً بيد تركيا، تنفّذ سياستها القائمة على سحق الكرد، تركيا التي تبحث عن مصالحها فقط. وشرق إدلب كان المقابل لسيطرة تركيا على عفرين، لهذا تقدمت قوات روسيا والنظام بهدوء، بعد أن سحبت جبهة النصرة مجموعاتها. وفصائل شمال حمص وجنوب حماة تبحث عن هدنة، وتنتظر دورها في التصفية. أما أميركا فهي تتحكّم في شرق سورية ورقة بيدها، خصوصاً أن هذه المنطقة تضم آبار النفط والغاز، وتتفرّج على قدرات روسيا العسكرية. لكنها كذلك تلعب دورها التحريضي، لكي تزيد وحشية النظام وروسيا، وهو الدور الذي لعبته منذ البدء، لكي تصل إلى تعميم الدمار الذي بدأته في العراق. بالتالي، تقودهما إلى تحقيق ما تريد.
يجري في هذه الوضعية الاستفراد بالغوطة الشرقية، كما جرى الاستفراد بحلب، وكما سيجري الاستفراد في ريف حمص الشمال وحماة الجنوبي، وكذلك في الجبهة الجنوبية. المأساة في ذلك كله أن الفصائل المسلحة كلٌّ ينتظر دوره في الذبح، وهو ملجوم بقرار “الممول”، أو بوهم القدرة على تلافي ذلك.
Sorry Comments are closed