لايزال المدنيون في بلدات الغوطة الشرقية -والبالغ عددهم حوالي 400 ألف إنسان- يرزحون وللأسبوع الثاني تحت رحمة صواريخ وقذائف وبراميل النظام الأسدي والروسي التي تُطبق عليهم السماء، في ظلّ حصارٍ خانقٍ، يُغلقُ عليهم جهاتِ الأرض الأربع منذ أربعة أعوامٍ، من قبل قوات النظام والميليشيات الطائفية الموالية، مانعةً عنهم وصول الطحين والغذاء والدواء وحتى المساعدات الإغاثية الأممية، لتتخطَّف أعمارهم النار والجوع وبرودة الضمير العالمي التي فاقت برودة شتاء دمشق.
على أنّ التصعيد البربري الأخير غير المسبوق على الغوطة الشرقية لم يكن ليحصل ويستمرَّ حتى الآن لولا توافر عدة عوامل وظروف ومواقف، تعتبر حاصلة أو بحكم الحاصلة أو يعلم النظام وموالوه مسبقاً سيرورتها ومآلاتها، قام الإجرام الأسدي الروسي باستثمارها داخلياً وخارجياً.
فعلى الصعيد الداخلي: استفاد النظام الماكر من التجييش الإعلامي الذي أطلقه بين مواليه من مدنيين وعسكريين إثر حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية، وفي غمرة إشعارهم بنصرٍ موهومٍ على العدو الإسرائيلي، وبأنّ قواعد المواجهة قد تغيرت عقب ذلك،فإنه لم يبقَ أمام الجيش العربي السوري سوى القضاء على العدو الداخلي المتمثل بالإرهاب وأضلع إسرائيل في الداخل، ومن ثم التفرّغ مع باقي قوى الممانعة لمواجهة العدو الأول إسرائيل، والمتابع لوسائل إعلام النظام في تلك الفترة يلمس جلياً ذلك.
ومن ناحيةٍ أخرى استفاد النظام من واقع المعارضة -بشقيها العسكري والسياسي- المنقسم وغير الموّحد، ومايفرزه ذلك من ضعف وقلة فاعلية على الأرض الأمر الذي أتاح للنظام الانفراد بكل منطقة ثائرة على حدة مما جعلها لقمة سائغة له.
وعلى الصعيد العربي كان صمت القبور مخيّماً إزاءَ ما يجري في الغوطة الشرقية، وعلى أنه إذا كان لايُنسبُ إلى ساكتٍ قولٌ، فإنّ الصمتَ في معرِضِ البيانِ بيانٌ، وإذا كان من أضعف الإيمان بالنسبة للعرب التنديدُ فإنّ بيانَ صمتهم موافقة وإذعان. كانت ترجمته من قبل آلة الحرب الأسدية والروسية قذائف وصواريخ على رؤوس أهالي الغوطة المدنيين.
أما الغرب المنافق الذي يتغنى بالديموقراطية وحقوق الانسان، يستيقظ حسُّه الإنساني لمقتل بضعة أشخاص من رعاياه بيد الإرهاب ،ويقيم الدنيا ولا يقعدها، بينما يكون حسّه ذاك في ثلاجة حفظ الموتى أمام مقتل مئات المدنيين السوريين بيد الإرهاب الأسدي البوتيني في الغوطة الشرقية. وفي أحسن الأحوال فإن موقف الغرب لايتعدى التنديد والشجب الكلامي ورسم الخطوط الحمراء المزعومة التي رسمها مسؤولو دول عظمى سابقون مالبثت دماء السوريين أن محتها.
أما اللاعب التركي فيمكن القول أنّ النظام وحلفاؤه قد ضمنوا تغاضيه خصوصاً بعد انشغاله بعملية غصن الزيتون ومواجهة الحركات الكردية الإنفصالية على حدوده مع سورية، يُضاف إلى ذلك طول مدة هذه المواجهة.
إنّ ما يحصل في الغوطة الشرقية هي جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية بكل المعنى القانوني للكلمة ولا تحتاج إلى برهان، علاوةً على أنها إرهاب دولة منظم، لا تقل ّ وحشيةً عن إرهاب داعش وأخواتها وهي ما كانت لتقع وتستمر، لولا تلك العوامل والظروف والمواقف السابقة من العالم كلِّهِ الذي يقف متفرجاً مصفّقاً لنيوتن ونظريته التي لم تعد بحاجة إلى إثبات بعد سقوط آلاف الأطنان من القذائف والصواريخ على رؤوس أطفال الغوطة الشرقية، فيما أطفال الغوطة يهزأون بنيوتن وتفاحته وقد اكتشفوا قانوناً جديداً الجاذبية.. هو صعودُ أرواحهم إلى السماء.
عذراً التعليقات مغلقة