لن يبذل المحللون السياسيون الكثير من الجهد لاستنتاج أنّ من بين أهم نقاط ما جرى تسميته « تفاهمات أمريكية روسية» غير معلنة هو تفاهم اقتسام النفط والغاز السوريين. ففي حين انفردت روسيا بالساحل السوري، وهو الأمنية التاريخية المكبوتة منذ العهد القيصري، والتي تعززت إثر إكتشاف أقفاصِ غازٍ ضخمة ضمن المياه الإقليمية السورية ،فكان مطار حميميم بمثابة مركز قيادة للقوات الروسية وقاعدة لانطلاق طائراتها الحربية لشنّ الغارات على ما تسميه أهدافاً إرهابية مشروعة، ناشرةً الدمار والمجازر بحق المدنيين السوريين، وكذلك لتكون نقطة حماية الساحل السوري وتأمين انفرادها به. أما الولايات المتحدة التي تجذبها رائحة النفط العربي أينما كان، فقد غرزت قواتها في مناطق توزع الحقول النفطية في الشمال والشمال الشرقي من سورية في قاعدتي تل حجر في الرميلان والتنف، وبذلك اتضح عنصرا المعادلة وبالتالي صار من الجدير بهاتين الدولتين المحافظة على هذه المعادلة، وهذا ما استتبع الاصطدام باللاعب الإيراني الموجود قبل الأمريكان والروس والذي انتشر وعظّم نفوذه في شتى أنحاء الرقعة الجغرافية السورية وخصوصاً المنطقة النفطية وهي بيتُ القصيدِ في المطامع الإيرانية.
وفي هذا السياق ،وإثر التقارب الروسي التركي، تأكّد لطرفي المعادلة « الأمري-روسية» أنّ الطموحات الأردوغانية بعيدة عن حقول النفط والغاز السوريين، وأنّ مرادها هو القضاء على الحركات الانفصالية الكردية (PYD – YPG…) والمصنّفة إرهابية، والتي اتخذت من الأراضي السورية المتاخمة التركية مراكزاً عسكرية لها، وباتت تشكل خطراً واقعاً مستفحلاً بالنسبة لتركيا يجب مواجهته. ومنه وافق اللاعبان الأمريكي والروسي وأعطيا الضوء الأخضر لتركيا لبدءِ عملية غصن الزيتون.
أما الخطر الأكبر على المصالح الأمريكية الروسية فيتمثل في النفوذ الإيراني الذي تغلغل في أرجاء الأراضي السورية ،ومفاصل الحكم والقرار في النظام السوري عبرَ قوات فيلق القدس والميليشيات الطائفية الموالية والتي يبلغ عديدها عشرات الآلاف من المقاتلين.
إنّ الطموحات الإيرانية بالسيطرة على الطريق من طهران حتى لبنان مروراً بالعراق ودمشق فيما اصطُلحَ على تسميته الهلال الشيعي بدأت تتحقق وتتجسد على أرض الواقع من وجهة النظر الأمريكية، وخاصة بعد التمدّد الإيراني في البادية السورية قريباً من حقول النفط والغاز بحجة محاربة “داعش” وهو الأمر الذي أثار حفيظة الأمريكان، وجعل من اللازم عليهم إما إنهاء الوجود الإيراني أو تحجيمه بما لا يتعارض مع مصالحهم، مضافاً إلى ذلك التوسع الإيراني صوب الجنوب السوري، وهو الأمر الذي زادَ المخاوف الإسرائيلية والأمريكية معاً، لتأتي حادثة إرسال إيران لطائرة بدون طيّار وإسقاطها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤشراً صارخاً على نفاذ صبر الأمريكان والصهاينة من إيران، فكان الرد الإسرائيلي واسعاً وسريعاً في العمق السوري، شمل من ضمن ما شمل أربعة مواقع إيرانية عسكرية في سوريا، وكان بمثابة إنذارٍ أخيرٍ لإيران، وخطوة على طريق تقليم أظافر إيران قامت بها وكيلة أمريكا في المنطقة.
إن عملية الردّ تلك كانت فرصة لا تُعوّض بالنسبة لأمريكا واسرائيل لم تتم دون توافق وتفاهم ضمني روسي لليِّ ذراع إيران وتقليص تمددها في سوريا. ولعلَّ التصريحات الأخيرة الواردة على لسان كبار المسؤولين الأمريكان المختصين خير برهانٍ على حقيقة الموقف الأمريكي من إيران، وعلى جدّية التوجّه الأمريكي في تقليص نفوذ إيران في سوريا. وليس قول تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي « إنّ الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بتهديد مصالحها في المناطق التي تبسط القوات الأمريكية سيطرتها عليها في سورية» وكذلك ما صرّح به مستشار الأمن القومي الأمريكي بلهجة تهديدية: «لقد حان الوقت للتصرف حيال إيران». سوى ترجمة صادقة لحقيقة الموقف الأمريكي.
وبرأينا إن كل الأحداث الأخرى التي تجري على الأرض السورية ليست من الأهمية الكبيرة في سيناريو عنوانه الكبير النفط والغاز وأمن إسرائيل. فهل تُضاف التصريحات الأمريكية الأخيرة إلى جملة التصريحات السابقة الرنانة طيلة العقود المنصرمة، والتي تبيّن أنها ليست سوى الاستهلاك الإعلامي، أم أنّ الصراع الحقيقي قد بدأ، وأنه حينما يتعلق الأمر بالنفط فإن لأمريكا وحلفائها تصرّفٌ آخر؟
عذراً التعليقات مغلقة