في سلسلة مقالات حكاية سوريا تطرقت لعدد من المواضيع الشائكة، ومنها ما قلته في المقال الأول (لماذا يمنع نجاح الثورة السورية؟) من أننا ممنوعون من نيل الحرية من قبل أطراف دولية، لأن التحول لدولة ديمقراطية يعني تلقائياً فقدانهم الامتيازات التي كانوا يمتلكونها وينهبون من خلالها خيرات البلاد بالتعاون مع الأنظمة المستبدة، وأنه لاختراق بلد ما والسيطرة عليه، عليك تقسيمه لأقليات واكثرية ما قبل سياسية، ولهذا فإنه دائم البحث عن مكونات البلد ما قبل السياسية من أجل اختراقه، مستغلين عدم شعورها بالأمان، وشعورها بالغبن.
كما أوضحت أن الانقلاب العسكري الذي جرى صبيحة الثامن من آذار 1963 وضع المجتمع السوري في الثلاجة، فمنع السياسة وجمّد المجتمع عند مرحلة الاقطاع، دافعاً إياه للجوء إلى مكوناته ما قبل السياسية كالعشيرة والطائفة والقومية و..، وجاءت السياسات الفاشية للقوى القومية التي حكمت بالحديد والنار لتعمق هذا الشرخ بين مكونات البلد الواحد.
وقلت في المقال السابق(النظام البديل والتحالفات) أننا يجب أن نتحدث عن “التغيير” أي إسقاط النظام القاتل المستبد، والانتقال للدولة المدنية الديمقراطية، فهدفنا ليس انتقامياً، بل بناء الجمهورية الجديدة، بعيداً عن الاستبداد والقتل، لا نريد إسقاط النظام لنستبدل استبداداً يتاجر بالوطن وقضاياه “العدو الصهيوني” باستبداد آخر يتاجر باسم إله أو قومية أو مذهب.
وقلت في مقال سابق أن إسقاط النظام يعني إسقاط عقلية الإقطاع السياسي، التي سيجّت نفسها بنظام أمني وعسكري يحميها ويحمي مصالحها من خلال القمع والقتل، النظام القاتل لشعبه المتلاعب بالوطن، المكمم للأفواه، والذي فتح أبوابه لكل شذاذ الآفاق.
أنطلق من كل ما سبق لنستنتج معاً من هي قوى الثورة التي تناصر أهدافها في التغيير من نظام مستبد إلى نظام ديمقراطي تعددي، ومن هي القوى الدخيلة على الثورة وقوى الثورة المضادة التي تطمح لاستغلال الثورة لتحقيق طموحات فردية أو حزبية في اسقاط النظام والحلول مكانه فقط دون التغير الشامل المطلوب؟
أعتقد أنه من الضروري البحث في هذه الأسئلة، للوصول إلى رؤية واضحة عن أصدقاء الثورة وأعدائها، لهذا لنبدأ من العودة إلى تقسيم المجتمع سياسياً، بين طائفة الثورة وبين طائفة أعداء الثورة.
فطائفة الثورة هم كل من تضرر من النظام الأسدي وأمثاله، ويرغبون بالتغيير العام والشامل بالانتقال نحو دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة تعتمد على المواطنة كانتماء ولا تنظر لدين أو مذهب أو قومية ويتساوى فيها الجميع أمام القانون.
طائفة أعداء الثورة والثورة المضادة، وهم كل من لا يرغب بتغيير الأوضاع السائدة تغييراً عاماً وشاملاً من نظام مستبد إلى نظام ديمقراطي تعددي يتساوى فيه جميع المواطنين أمام القانون دون اعتبار لقومية أو دين أو طائفة، وتكون الدولة فيه حيادية تجاه مكوناتها وتحمي الجميع، تحمي العرب والأكراد، تحمي المسيحيين والمسلمين، تحمي السنة والشيعة والعلويين، لا فرق بين كل مواطن ومواطن، فالكل يتساوى أمام القانون.
في طائفة أعداء الثورة نجد من شارك في الثورة باحثاً عن انتقام من شخص بشار أو النظام، لسنوات سجنه الطويلة، أو لتدميره حزبه وقتل واعتقال كوادره في ثمانينات القرن المنصرم، وهذا لا يهمه الانتقال للنظام الديمقراطي التعددي بقدر اهتمامه “بتكسير رأس النظام” من خلال ضربة عسكرية من الناتو مثلاً تتيح له الانتقام وتجلسه مكان النظام.
في طائفة أعداء الثورة نجد من لا يرغب بانتقال شامل نحو الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، دولة المواطنة بسبب أيديولوجيا يعتنقها، فمثلاً نجد العروبي يفكر بالقومية العربية على أنها الأكثرية العددية في المجتمع السوري، ويجب أن تكون هذه القومية هي المواطن درجة أولى، وما عداها مواطن درجة ثانية، وهو بهذا ينفي المواطنة التي تساوي بين جميع أفراد الشعب السوري.
في طائفة أعداء الثورة نجد الإسلامي المتطرف الذي يريد أن يقيم نظام الولي الفقيه، فهو يجد في أميره نائب الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ويعتقد أنهم الفرقة الناجية، ويقتل كل ما عداها من الكفار الذين لا يرغبون بتطبيق برنامجه الأيديولوجي، وهم يتوزعون على كافة مذاهب الإسلام، ففيهم من الإسلام السنة الذي يرى وجود كتلة سورية سنية متجانسة تعتبر أكثرية عددية ويجب أن يخضع باقي مكونات الشعب السوري لها، وفيهم من الطائفة الشيعية التي تعتمد على خلافات سياسية بين صحابة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام لتبني برنامج ديني مذهبي يعتمد على مظلومية تاريخية وحان وقت الانتقام من ورثة من حرموا جدهم السلطة.
في طائفة أعداء الثورة نجد العلماني المتطرف الذي يجد كل الشرور في الأديان، لهذا يجب أن يقصي الدين من الحياة اليومية للمواطن، وقد يصل بعضهم لاتباع التيار الفرانكوفوني المتطرف في العلمانية والذي يحارب كل أشكال التدين في المجتمع ويعتبرها عمل رجعي ويشجع على الرذيلة والفساد.
وهناك من يبحث عن إسقاط النظام فقط عن قلة وعي بضرورة الانتقال للنظام الديمقراطي التعددي، معتبراً أن شعار الديمقراطية هو أيديولوجيا يجب أن نبعدها عن مسار الثورة.
شعار إسقاط النظام فقط وليأتي بعده من يأتي – وكأن كل التضحيات التي قدمت لا تستحق أن ينتقل الشعب السوري إلى نظام ديمقراطي تعددي – شعار تتشارك فيه قوى الثورة المضادة والمتسلقون على الثورة بالإضافة لمن لا يملك الوعي لخطورة هذا الشعار، وخطورة ما قد يحدثه من فوضى تشل وتدمر المجتمع أكثر مما هو عليه الآن.
لهذا فإن طائفة الثورة تشمل المؤمنين بضرورة الانتقال السياسي من نظام مستبد إلى نظام ديمقراطي تعددي يحترم حقوق الانسان، ويعلي من قيمة المواطنة، ويلغي أي قيمة أخرى دون قيمة المواطنة.
عذراً التعليقات مغلقة