كيف استطاعت لاجئات سوريات كسر حاجز الخوف؟

فريق التحرير17 فبراير 2018آخر تحديث :
سعت “رابطة نساء سوريات” لتقوية المرأة نفسياً وجسدياً عن طريق دورات تدريبية تعلمهن سبل الدفاع عن النفس لحماية أنفسهن

داخل شقة متواضعة في عقار قديم في حي المعادي جنوبي العاصمة المصرية، تتجمع سيدات سوريات جئن هربا من الحرب الضارية في بلادهن لدعم وشد أزر بعضهن البعض. اختلفت قصصهن وتعددت مآسيهن وأسباب مجيئهن إلى مصر، لكن جمعهن الشعور بالضعف والانكسار بعد أن اضطررن للفرار من بلد أرهقتها الحرب الأهلية لأكثر من سبع سنوات الآن.

“مجتمع واع وأكثر حماية وأمانا” هو اسم المبادرة التي أسستها لاجئات سوريات في مصر، و”القوة” هي الهدف المنشود الذي يسعين له لمواجهة التحديات التي يتعرضن لها في البلد المضيف، تأتي مشاكل التحرش والاعتداء والسرقة على رأس التحديات التي تتعرض لها اللاجئات في مصر، لذا سعت “رابطة نساء سوريات” لتقوية المرأة نفسيا وجسديا عن طريق تقديم دورات تدريبية تعلمهن سبل الدفاع عن النفس لدرء الاعتداءات وحماية أنفسهن.

تعلم فنون الدفاع عن النفس فرض نفسه كضرورة ملحة على اللاجئات

تقول لطيفة فتحي رئيسة مبادرة “مجتمع واع وأكثر حماية وأمانا” إن تأسيس دورات تدريبية لتعليم اللاجئات فنون الدفاع عن النفس فرض نفسه كضرورة ملحة، حيث تتعرض اللاجئات للتحرش اللفظي والجسدي والسرقة باستمرار، “فلابد أن تكون اللاجئة قوية لحماية نفسها مما تتعرض له من مخاطر يومية، وحتى تستطيع التأقلم أيضا مع مجتمع غريب يختلف عن المجتمع والبيئة التي نشأت فيها.”

ففي هذه الدورات يتم تدريب السيدات على فنون الدفاع عن النفس وتوعيتهن بحقوقهن وواجباتهن عن طريق التعرف على القانون المصري وكيفية التصرف في حال التعرض للعنف، فهي بمثابة مبادرة توعوية شاملة تدعم اللاجئات السوريات وتعطيهن الثقة اللازمة للاندماج مع المجتمع المصري بدون خوف.

وتوضح لطيفة أن الكثير من السيدات السوريات يفكرن مئة مرة قبل الخروج من منازلهن لشعورهن بالضعف وقلة الحيلة نتيجة لشعورهن أنهن قد يكن ضحية لاعتداء لا يستطعن رده، فالتدريبات تقوي عضلات المرأة لتدافع عن نفسها وعائلتها وتدعمها لتربية أبنائها على مبادئ الشجاعة والقوة. “فنحن ندرك تماما أن المرأة هي عماد الأسرة وقوامها، فإذا كانت قوية يكون البناء كله قويا، أما إذا كانت ضعيفة فسينتج عن ضعفها أجيال خائفة وهزيلة”، تفيد لطيفة.

لم تكن السيدة لطيفة تتوقع الأقبال الكبير الذي شهدته دورات الدفاع عن النفس من قبل السيدات السوريات، فهي تقول إن استجابتهن كانت ايجابية للغاية، فقد أمدتهن الدورات بقوة وحماسة مكنتهن من تغيير حياتهن إلى الأفضل. فمن المبهر أيضا، كما توضح رئيسة المبادرة، أن لاجئات سودانيات ويمنيات بدأن في الانضمام إلى دورات الدفاع عن النفس لاحتياجهن إليها، ومؤخرا كانت المفاجأة الحقيقية حيث انضمت سيدات مصريات لقائمة المشاركات في تدريبات القوى، فلم تعد قاصرة على اللاجئات.

بعض اللاجئات شاهدن بيوتهن تنهار أمام أعينهن وبعضهن رأين أبناءهن يلفظن أنفاسهم الأخيرة، فأصبح الخوف شبحاً يطاردهن أينما وجدوا، لا يستطعن الفرار منه

تساعد تهاني نبيل، مدربة الدفاع عن النفس، المتدربات أن يكون رد فعلهن سريعا حال تعرضن إلى عنف أو مضايقات.

فهي تدرب اللاجئات على سبل التصدي للتحرش والسرقة التي قد يتعرضن لها في الشارع ووسائل المواصلات عن طريق مواقف تمثيلية مبسطة لتنمية ما يعرف بـ “رد الفعل المباشر” لديهن، ويعتمد أسلوب رد الفعل المباشر، كما توضح تهاني، على تقوية المفاصل والعضلات مع سرعة رد الفعل عند الشعور بالخطر.

تعتبر تهاني أن مشاهدة السوريات للدمار الذي أحدثته الحرب في بلدهن وخروجهن الاضطراري من أوطانهن جعلهن يشعرن بالضعف والانكسار الدائم. فبعض هؤلاء السيدات شاهدن بيوتهن تنهار أمام أعينهن، والبعض الأخر رأين أبناءهن يلفظن أنفاسهم الأخيرة، فأصبح الخوف شبح يطاردهن أينما وجدوا لا يستطعن الفرار منه.

لكن تهاني تحاول جاهدة دعمهن نفسيا وبدنيا ليتقبلن واقعهن الجديد كما تمدهن بالمهارات اللازمة للتعامل معه بدون خوف. “تدريبات اللياقة العامة تمتص طاقتهن السلبية وتمدهن بطاقة إيجابية جديدة ناتجة عن تعزيز ثقتهن بأنفسهن وإحساسهن بالنشاط والقوة، فالدورات كان لها تأثير إيجابي كبير على حياة المشاركات”، حسبما ترى تهاني.

لا يمكن أن تجد امرأة ضعيفة ناجحة

تقول السيدة خلود إن دورات الدفاع عن النفس أفادتها كثيراً عندما حاول شخص يقود دراجة نارية سرقة حقيبة يدها، وكانت تحتوي على جواز سفرها وكل الأوراق الرسمية التي تثبت شخصيتها.

“لم أكن أتخيل أنني بهذه القوة قبل التعرض لهذا الموقف. فقد صفعت السارق بقوة عندما حاول الاستيلاء على حقيبتي مما جعله يخاف ويرتبك ويهرب بعيدا لأنه أدرك جيدا أن المرأة التي يريد سرقتها ليست ضعيفة”.

تدريبات الدفاع عن النفس أمدت السيدة خلود بالثقة والقوة اللازمتين للتصدي لهذا الموقف. فهي تقول إنها حينما غادرت سوريا وجاءت إلى مصر منذ خمس سنوات، كانت في حالة رعب من المجهول ومن فكرة الاحتكاك بمجتمع جديد لا تألفه، فعزلت نفسها عن ما وصفته بالـ “العالم الخارجي”.

لكن بمرور الوقت أدركت خلود أهمية كسر حاجز الخوف من الأخرين خاصة أن لديها ابنة لم تتجاوز 12 عاما تريد أن تعلمها مبادئ الاعتماد على النفس والقوة وحسن التصرف ولا تريد أن تراها “منهزمة ومكسورة”، فبدأت خلود الانفتاح على الجالية السورية في مصر والاستماع إلى قصص سيدات استطعن التخلص من إحساسي الخوف والضعف المصاحبين للغربة، وتمكن من النجاح في مجالات مختلفة.

“الشعور بالقوة هو مفتاح النجاح والنجاة بالنسبة للمرأة في أي مكان، فلا يمكن أن تجد امرأة ضعيفة ناجحة”، تؤكد خلود.

“أنا الآن أشعر بالثقة والقوة بفضل تدريبات الدفاع عن النفس واللياقة، كما أن المواقف التي كنت أخاف أن اتعرض لها في السابق أصبحت تزيد من قوتي وثقتي بنفسي، فمحاولة السرقة هذه على سبيل المثال، جعلتني أيقن أنه بإمكاني التصرف في كل المواقف والتغلب على المعتدي لأنه في الغالب هو الطرف الأضعف، فأنا الآن أخرج بدون خوف”، تفتخر خلود.

تحاول خلود الآن إقناع أخوتها السوريات بالانضمام إلى هذه الدورات التدريبية للتغلب على إحساس الغربة القاس وتفرق الأهل وتشتت الجمع. فبحسب خلود “لابد أن يكون لدى اللاجئة المهارات اللازمة لحماية نفسها لأنها تعتمد على نفسها بشكل كلي، فلا يوجد بجانبها من يلتف حولها ويأخذ بيدها وقت اللزوم كما اعتادت في بلدها سوريا”.

كنا نلوم أزواجنا كل يوم على ما حدث لنا من تشتيت وغربة وضعف لكننا توقفنا عن البكاء الذي لا يجدي نفعاً

تشرح السيدة ربى دور المبادرة وأهميتها للسوريات فتقول: “الحرب كان لها أثر في غاية السوء علينا، لكننا هنا نحاول التركيز على الأشياء التي مازلنا ننعم بها في حياتنا، والتي قد لا نشعر بقيمتها نتيجة لفظاعة ما تعرضنا له، فالحرب دمرت منزلي لكن أسرتي لازالت بخير، فيجب علي أن أرعاها وأحافظ على تماسكها والتوقف عن البكاء على الماضي الذي لا يجدي نفعا”.

فتغيير المنشأ والمسكن والبيئة التي اعتادت عليها اللاجئات وعدم استقرار حياتهن كان كافيا لشعورهن بالضعف والضيق والانزعاج بشكل دائم. “كنا نلوم أزواجنا كل يوم على ما حدث لنا من تشتيت وغربة وضعف، لكننا هنا ننمي ذكاءنا الوجداني ونتعلم القوة واحتواء المواقف، وقد انعكس كل ذلك إيجابيا بالطبع على جودة حياتنا بشكل لا يمكننا انكاره”، تقول ربى.

وتشير ربى أن السيدات يتعلمن أشياء ومهارات جديدة كل يوم في المبادرة. “فنحن نقوي أجسادنا وننمي عقولنا ونطور مهاراتنا ونتعلم الحياكة والطبخ وتصفيف الشعر”.

“هنا تحسنت نفسيتنا وأمدتنا التدريبات بالقوة والثقة للخروج سعيا لكسب الرزق، كما اكسبتنا مهارات مكنتنا من الاندماج مع المجتمع بدون خوف”.

لم أعد أشعر أنني ضحية

أما رقية فهي لاجئة يمنية انضمت إلى السوريات في دورات الدفاع عن النفس. فرغبتها في الشعور بالأمان ومواجهة المشاكل الحياتية التي تتعرض لها دفعاها إلى الالتحاق بالتدريبات.

“نحن هنا كلاجئات نفضل الانغلاق وعدم الانغماس في المجتمع الذي ننتقل له بشكل كبير، فنتقوقع داخل بيوتنا لنخلق منها أوطانا في الغربة، هنا سمعت عن حوادث خطف وسرقة واعتداءات تحدث للسيدات، ونحن قطعا أكثر عرضة لهذه الحوادث من أهل البلد لأن الجميع يعلم أن اللاجئ ضعيف” تقول رقية.

أحست رقية بخيبة أمل ذات يوم عندما تعرضت للسرقة في إحدى الأسواق لعدم تمكنها من الإمساك بالسارق. تمنت وقتها أن تكون لديها القوة اللازمة للدفاع عن نفسها وعن طفلها التي كانت تحمله بين ذراعيها، فقررت البحث عن أماكن تتعلم فيها فنون القتال والدفاع عن النفس.

“الآن لدي القوة اللازمة وسرعة البديهة التي تضمن لي حسن التصرف إذا ما تعرضت لموقف مثل هذا، فأنا لم أعد أخاف من الخروج والاحتكاك بالناس” تقول رقية.

“فنحن هنا بجانب تقوية العضلات نتعلم الثقة في النفس عن طريق دعم بعضنا البعض ونتعرف على القوانين وكيفية التصرف في المواقف المختلفة، فأصبحت أكثر قوة وثقة لا شك، فأنا لم أعد أشعر أنني ضحية، أنا امرأة قوية يمكنها الدفاع عن نفسها والنجاح أينما وجدت”.

بدأت رقية الالتحاق بدورات “التنمية البشرية” و”إدارة المشاريع الصغيرة”، وأصبحت لديها القدرة على مواجهة كل التحديات التي تتعرض لها، فهي تصف حياتها الآن بالـ “السوية” على المستوى العائلي والمهني.

“الثقة في النفس هي التي تساعد المرأة في الوصول إلى حلمها في أي زمان ومكان، فالحرب والخروج من المساحة الآمنة التي اعتدنا عليها دفعنا لأن ننظر إلى حياتنا واستغلال طاقتنا بشكل مختلف” تقول السيدة اليمنية.

المصدر BBC عربي
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل