أخيرا، شرب ما يسمى “الجيش العربي السوري”، وهو ليس جيشاً أو عربياً أو سورياً، حليب السباع، وتصدّى بعد قرابة نصف قرن لطائرات إسرائيل التي أغارت آلاف المرات على سورية، بما في ذلك بيت بشار الأسد، ورشق حزمة صواريخ عليها بأسلوب “يا ربي تجي في عينه”، فأصاب بالخطأ واحدة منها، كانت تضرب مواقع لقوات الاحتلال الإيراني. عندئذٍ، قرّر جنرالات إيران و”استراتيجيون” عرب، أطلوا علينا من تلفزيونات تحولت فجأة إلى ما يشبه تلفاز “المنار” الإيراني في بيروت، أن قواعد اللعبة بين النظام المقاوم وإسرائيل قد تغيرت، وتناسوا أن طائراتها هاجمت أربعة عشر موقعا لجيش العدوان الأسدي على السوريين، وأن إسقاط الطائرة حدث بالخطأ، ولو أن قواعد الاشتباك تبدلت، لكانت قواعد الصواريخ التي دمرتها الغارات قد أطلقت بعض قذائفها، ولما تم تدميرها بالكامل بين دمشق ودرعا، وإخراج مطارات التيفور والمزة وخلخلة من الخدمة، وإحراق معسكراتٍ لـ”حرس الطائفية الجمهوري”. اعتبر هؤلاء إسقاط طائرة إسرائيلية خلال قرابة نصف قرن “انتصارا للمقاومة”، بدّل موازين القوى بين نظام سلمه حافظ الأسد عام 1967 محافظة سورية اسمها الجولان، ثم سامحه بها في مقابل تسليمه السلطة، شريطة أن يحكم سورية بلدا محتلا.
وهكذا كان، فحكمها مثل مندوب سام صهيوني في رئاسة الجمهورية، وفعل الأفاعيل بالسوريين، قبل أن يقبض الله روحه ويتولى ابنه الحكم، ويكمل مهمة أبيه في القضاء على “شعب الإرهابيين السوري”.
ما الذي تغير حقا بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، إذا كانت طائرات إسرائيل دمرت ما أرادت تدميره لنظام “المقاومة”، بعيد سقوط الطائرة بساعات؟ وهل يعتقد “الاستراتيجيون” أن العدو الإسرائيلي لا يضع في حسبانه خسارة طائرة كل نصف قرن؟ لو كان يفعل ذلك، لما اعترف بسقوط طائرةٍ وقعت في فلسطين المحتلة، ولأسقط في يد المحللين الاستراتيجيين الذين قفزوا عن حقائق الصراع المذلة، ولما طبّلوا لجيش النظام الجبان الذي كان يقصف الغوطة بالطيران، بينما كانت طائرات إسرائيل تهاجمه، ولرفضوا التحدّث بلغة جنرالات طهران الذين أحرقوا إسرائيل عشرات المرات خلال الأعوام الماضية، من دون أن يرموها ولو بحصاة، ولغة مندوبهم السامي في لبنان، حسن نصر الله الذي حرّر فلسطين آلاف المرات (!).
تكمن قواعد اللعبة في قيام إسرائيل بالضرب حيثما أرادت، وكلما حلا لها أن تضرب، وبعدم الرد عليها، بحجة أن الزمان والمكان لم يكونا مناسبين للرد خلال نصف القرن المنصرم. أمس، أطلقت صواريخ أصابت طائرة، أعقبتها غارات بالعشرات لم يتم خلالها إطلاق صاروخ واحد، فأين هو تبدل “قواعد الاشتباك”؟ لم يكف الصهاينة عن الهجوم، ولم يجرؤ النظام على الدفاع، أليست هذه هي القواعد التي التزم بها بعد إسقاط طائرة إسرائيل بالخطأ، على الرغم من أن الغارات التي تلته استهدفت قواعد الصواريخ التي أصابتها ودمرتها؟
بقصر كلامهم على حدث جزئي هو إسقاط الطائرة، تبنّى الخبراء نظرة إيران، وتجاهلوا حقائق الصراع العسكري، والمضامين السياسية لما جرى، ولماذا صعّدت إيران موقفها العسكري، وهاجمت خلال أيام قوات يدعمها عسكر واشنطن قرب دير الزور، وأرسلت طائرةً مسلحةً بلا طيار إلى إسرائيل، وما هي علاقة محاولات جس النبض هذه، فيما يقال عن تبدل الأدوار الدولية، وليس “قواعد الاشتباك”، في سورية، بعد فشل مؤتمر سوتشي وإعلان واشنطن نهاية سياسة الانكفاء في العراق وسورية.
من المفهوم أن “يفوش” جنرالات طهران بعد إسقاط طائرة إسرائيلية، أما أن يغرق “خبراؤنا الاستراتيجيون” في شبر ماء فهذا ما ليس مفهوما أو مقبولا.
عذراً التعليقات مغلقة