قد يبدو غريباً أن يقدم لاجئون سوريون معدمون هدايا إلى ألمان لا يعرفونهم التقوا بهم هنا. لكن هذا ما حصل لأب سوري التقى ابنه في ألمانيا، فأهدى كل ما عنده لناشط ألماني كان يقف قربه إكراماً لجهده في لمّ شمله بأهله.
بعد ثلاثة أيام من التئام شمل أب سوري يبلغ من العمر 71 عاماً بابنه الأصغر في لقاء مشحون بالانفعالات، قام الأب بتقديم قطعة صابون من زيت الزيتون وزيت الغار وعلبة حلوى (بقلاوة) محشوة بالفستق إلى ألماني يبلغ السادسة والخمسين من العمر لم يلتق به من قبل.
هذه الهدايا كانت قادمة من مدينة حلب، التي حاق بها الدمار جراء الحرب الدائرة منذ خمس سنوات. واستطاع الأب وابنه الأكبر مغادرتها بفضل الألماني مارتن فيجور، الذي يعمل مهندساً وهو أب لأربعة أولاد.
فيجور أحد الناشطين في جمعية “الآباء الروحيين للاجئين”، وهي منظمة غير ربحية تعمل على إيجاد مواطنين ألمان يتكفلون بمساعدة السوريين الذين وصلوا إلى ألمانيا على جلب أقاربهم من الخارج.
وقال الأب السوري لفيجور خلال اللقاء الذي شهدته وكالة رويترز: “أثناء الحرب أظهر الألمان – حكومة وشعباً – أنهم أصدقاء أقرب للشعب السوري من العرب”.وامتنع اللاجئ السوري عن ذكر اسمه لحماية أقاربه الذين ما زالوا يعيشون في المدينة التي كانت مسرحاً لقتال ضار.
ويواجه كثير من السوريين في ألمانيا صعوبات في مساعدة أقاربهم الذين ما زالوا في سوريا على الانتقال إلى الأمان، وذلك بسبب تشديد القيود الحدودية في أوروبا وقواعد اللجوء، بالإضافة إلى الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا للحد من عبور المهاجرين بحراً إلى اليونان.
ودفع وصول أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى ألمانيا خلال العام الماضي الحكومة الألمانية إلى تشديد قواعد اللجوء، بما في ذلك فرض حظر لمدة عامين على لم شمل الأسر لمن حصلوا على وضع لاجئ، الأمر الذي زاد الوضع سوءاً.
وأسس مارتن كيونه، الذي يملك وكالة إعلانات، جمعية “الآباء الروحيون للاجئين” في العام الماضي بعد أن توسل إليه سوريان من طالبي للجوء كان يأويهما لمساعدتهما في جلب آبائهما. وحفزه على ذلك قصة عم زوجته اليهودي الذي نجا من المحرقة بفضل زوجين بريطانيين تبنياه، في حين أرسل بقية أفراد أسرته إلى معسكر كراكاو التابع لألمانيا النازية في بولندا، حيث قضوا جميعاً.
ويوم السبت الماضي، حبس مهند، الابن الأصغر للأب السوري الموجود في ألمانيا منذ عام 2006، دموعه في مطار شونفيلد في برلين وهو يستقبل أباه وأخاه، وقال وهو يضغط بكفه على ذراع أبيه: “يبدو عليك الإرهاق لكنك بصحة جيدة وتتنفس وهذا هو أهم شيء”.
وجاء مهند، البالغ من العمر 36 عاماً، إلى ألمانيا قبل عشر سنوات في إطار برنامج للتبادل الثقافي، وسعى منذ عام 2012 للم شمل الأسرة، مضيفاً: “عندما بدأت دراسة القوانين بشأن لم الشمل، تملكني اليأس”.
ويقل راتب مهند، الذي يعمل في جمعية خيرية للاجئين ببرلين، عن الحد الأدنى الشهري البالغ 2160 يورو والذي تحدده السلطات لأي كفيل يرغب في جلب فرد واحد من أفراد أسرته. ويمثل هذا المبلغ متوسط الأجر الصافي في ألمانيا.
ومنذ مارس/ آذار عام 2015 عثرت جمعية الآباء الروحيين على كفلاء لـ103 سوريين كان لنحو ثلثيهم أقارب يعيشون في برلين. أما الباقون فينتظرون الحصول على تصاريح إقامة لمدة عامين في القنصليات الألمانية بلبنان وتركيا.
لكن لا يمكن للجمعية أن تكفل سوى السوريين الذين يسعون للم شملهم مع فرد واحد على الأقل من أسرهم، مثل الزوج أو الزوجة أو الابن أو الابنة أو الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت ممن أقاموا في ألمانيا لمدة لا تقل عن عام. وتعتمد الجمعية على التبرعات التي يدفعها أعضاؤها البالغ عددهم 2200 لتدبير 800 يورو شهرياً يحتاج إليها كل سوري. ويغطي هذا المبلغ إيجار المسكن والتأمين الصحي ومصروف شهري يبلغ 400 يورو يعادل ما تدفعه الحكومة للألمان العاطلين عن العمل.
ولا يتولى الآباء الروحيون تمويل الوافدين السوريين مباشرة، بل يتحملون المسؤولية القانونية عن توفير تكاليف إعاشتهم لمدة خمس سنوات حتى لو تقدموا في تلك الفترة بطلب للحصول على وضع لاجئ وحصلوا عليه بالفعل.
وقد وقع فيجور إقراراً في مكتب تسجيل الأجانب ببرلين قبل فيه أن يتحمل مسؤولية والد مهند وشقيقه وكذلك والدته التي ما زالت تعيش في حلب.
وكانت ألمانيا قد استقبلت 1.1 مليون لاجئ في العام الماضي، مثل السوريون 35 في المائة منهم، أي أكبر نسبة بين من تقدموا بطلبات للجوء. وتجاوز عدد طلبات اللجوء 470 ألفاً.
وأدى تدفق اللاجئين إلى صعود نجم حزب “البديل من أجل ألمانيا” المعارض للهجرة، والذي وصل إلى برلمانات ثلاث ولايات في انتخابات جرت شهر مارس/ آذار، وذلك عبر استمالة الناخبين المستاءين من ترحيب المستشارة أنغيلا ميركل باللاجئين.
وقال فيجور، المسيحي الكاثوليكي: “لا يسعني سوى تشجيع الناس على الاتصال باللاجئين لأن مواقفهم ستتغير عندئذ”.
واستطاع الأب والأخ السفر براً إلى لبنان ومنها إلى ألمانيا، في رحلة استغرقت 20 ساعة، بفضل وقف إطلاق النار في حلب منذ الأسبوع الماضي. ويتمنى الاثنان أن تتمكن الأم وابنتها وحفيدها، الذين ظلوا في حلب بناءاً على رغبة زوج الابنة، من اللحاق بهم في برلين قريباً.
وقال شقيق مهند البالغ من العمر 38 عاماً، مشيرا إلى “أبيه الروحي” وعلى وجهه ابتسامة: “مارتن فيجور ساعدنا رغم أنه لم يكن يعرفنا. وهذا ما أنوي أن أفعله في المستقبل – مساعدة الآخرين”.
المصدر: رويترز
عذراً التعليقات مغلقة