فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا حمص لماذا نبدأ العتبا
حبيبتي أنتي فاستلقي كأغنية
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
حمص يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو العروبة أم اشكو لك العربا
عذراً نزار.. ما رفعت دمشق ووضعت حمص في قصيدة العاشق الدمشقي إلا لأن العاشق هنا حمصي، إلا لأني عندما يعود بي الحنين وتجرني الذكرى إلى أيام مضت -ربما إلى غير عوده- أيام تلك الجميلة المسماة حمص، بشوارعها وأبنيتها بصفصافها ورائحة الهواء في غوطتها وكأنه الحياة، لا شيء خارج حمص إلا رائحة الموت، لا أجد نفسي إلا بشعور ذلك العاشق الدمشقي المبعد بفكره القبلي الجاهل عن عشقة الأول، خارجاً منها لا يحمل إلا قصة حب غرسوا مكانها ألف وجع، ومخيلة مليئة بذكريات وصور عن حبيبته، والتي كلما رفع قلمه ليتغزل بإحداهن خانه القلم واستيقظت الذكرى، وتآمر الاثنان ونسج القصيدة لها، ذنب نزار أنه غرد خارج سرب القبيلة، ولا زالت القبيلة قبيلة، وورث الولد أباه، لبس ثوب الحضارة ولازال صوت الأب ينعق في روح الولد أن اذبح كل خارجٍ عن فكر القبيلة.
حمص.. منفيّ أنا خارج أسوراها، مبعد عن أحضان تلك الجميلة السمراء، عاقبوني وعاقبوها، حمص.. ما بال وجهك الجميل شاخ فجأة؟، أهو الفراق أم حقدهم وهمجيتهم أم غربان الدنيا التي جروها إليك؟ ليقتلوا ويطردوا الحمام ويحتلوا المكان، ويحيلوا سحرك كوم رماد فلا شيء من حكمهم إلا دمار … وركام!.
تعود بي الذكرى فلا أوراق تتسع ولا حبرٌ يكفي، أنظر في تلك الصور المسربة عن حبيبتي المدمرة، أبحث عنها بين الركام، فلا أجدها، ومهما حاولت النسيان، إلا أن الذكريات تبقى محفورةً في داخلي، تأخذني لعالم جميل أتذكر به أجمل اللحظات، حتى وإن كانت مؤلمة يبقى لها رونق خاص في القلب، فقد جمعتني حمص مع أشخاص لم أعرف مدى حبي لهم إلا عندما فقدتهم، وها أنا الآن أعيش على ذكراهم وآمل أن يعودوا من جديد، ذكرياتي معهم وضحكاتنا أثناء عودتنا من الجامعة حفرت في أعماقي، وصورنا أمام مسجد خالد بن الوليد لا زالت تبعث فيّ الأشواق إلى زمن كنا به سعداء.
حنينٌ عظيمٌ أحبسه في داخلي، أرى الثواني تمضي أمامي ولا تزال المشاعر تشدّني لشوارعها وأشجار الصفصفاف فيها، أنقّب بين الذكريات وأعود بأفكاري لتلك الساعة الشامخة وسط حمص وكم جلسنا بقربها نرقبها أن تقع علينا، سمير، بلال، فادي وأنا كنا نرقبها ونأخذ الصور التذكارية بجانبها، وأما ذكرياتنا مع المقاهي والحدائق في حمص فتلك حكاية أخرى.!.
في كل يوم تتسلل الذكريات بين جوارحي فتملأ قلبي دفئاً وحنيناً، لتحلق الأسئلة وتحاصرني أين هم الآن، وهل من وسيلة استعيد بها الماضي لأخفف زحمة وهموم الحاضر، أسرد الأحداث والمغامرات التي خضناها معاً في مخيلتي، وغيرها من الأيام التي لا يمكن للسنين محوها، فذكرياتي في مدينتي حمص مع الأصدقاء أصبحت رمزاً ونجماً في السماء يضيء لي دربي، ودرة فخر تتلألأ لأزيّن بها كلامي، وناياً أشدو به، وسفينة أحلام أركبها وأبحر بها عبر الأيام الحاضرة بأمل استعادتها في القادم من أيامي.
سيغادر الغربان يوماً مدينتي حمص وسنطهر رجسهم من أزقتها، وسنرفع الآذان ونغرس الأشجار، وستعود المباني ونرتب المقاهي.. لكن.. من يعيد إليّ رفاقي؟!
عذراً التعليقات مغلقة