تدعو هند اللاجئة السورية في الأردن، الله ليشفي والدتها التي تعاني شللا نصفيا إثر جلطة دماغية أصابتها، وأن يخفف عنها معاناتها وآلامها، إذ لا تستطيع العائلة الفقيرة غير الدعاء، بعد قرار مجلس الوزراء الأردني الصادر في نهاية عام 2014، بمعاملة اللاجئين السوريين في المراكز الصحية الحكومية والمستشفيات، كالأردنيين الذين ليس لديهم تأمين صحي.
تقطن هند في منطقة أم نوارة (إحدى المناطق الفقيرة في العاصمة عمان)، وكانت قد قدمت إلى الأردن بحثا عن حياة كريمة تعيشها وعائلتها بطمأنينة، لكنها اليوم تتمنى العودة إلى مسقط رأسها سورية.
هروب من الحرب إلى شقاء اللجوء
تقول هند “أشعر بالقهر كل يوم لعدم تمكننا من علاج الوالدة. حتى الطعام أصبح حلما لعائلتي”، تضيف بغضب “كنت أظن أن صفة اللجوء ستكسبني أنا وشقيقتي ووالدتي وزوجة أخي وطفلتها، حقوقنا الأساسية في تأمين العلاج والسكن والغذاء”. تتابع والحزن باد على وجهها، “لم يحتمل قلبي رؤية والدتي وهي تتألم بشدة أمامي، اضطررت إلى إسعافها، قبل فترة وجيزة إلى مستشفى حكومي، هناك أخبروني أنها بحاجة للبقاء في المستشفى لمراقبة حالتها الصحية، ذهبت للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين آملة بأن تقدم لي العون، ولكنها رفضت. فما كان لي إلا أن استلفت من أحد معارفي مبلغ تسعين دينارا أردنيا، ذهب كله لسداد فاتورة العلاج. وتم إجبارنا على الخروج من المستشفى، رغم حاجة والدتي الماسة للبقاء تحت المراقبة”.
عائلة هند واحدة من أصل ست عائلات وثق حالاتها “العربي الجديد”، لأسر تشكو عجزها حتى عن تأمين أبسط أنواع العلاج للمرضى من أفرادها، من بين هؤلاء أم يحيى التي لا يختلف حالها عن حال أم هند، فهي الأخرى تحلم بشراء دواء و”حفاظات” وعلاج لابنها ذي السبعة وعشرين عاما المصاب بشلل كامل.
تقول أم يحيى التي تقطن في حي وادي عبدون في وسط عمان، “كان ولدي يعالج في سورية إلى أن أجبرتنا الظروف التي تعيشها بلادي على اللجوء للأردن، لم أستطع إكمال علاجه لضيق الحال”. وتضيف “لا يوجد من يعيننا، فولدي الآخر، محمود، عمل في حمل الألواح وتنزيلها إلى أن أصيب بشد عضلي، وابني الثالث مات في سورية خلال الثورة”.
وتتشابه قصص هؤلاء السيدات، وإن اختلفت التفاصيل. ومنهن الأرملة أم أيمن، التي لديها خمسة أبناء، والتي تتنهد حين تقول “لا نطلب قصورا نسكنها. لا نريد سوى الحماية من المرض والجوع كي نحيا ليوم تنتهي فيه محنتنا ونعود إلى أرضنا، للأسف نحن هربنا من موت إلى موت آخر، تحت معاناة المرض والجوع”. وأيضا، أم عادل، البالغة من العمر ستين عاما، وتعاني مرضا في القلب، وظروفا مشابهة لسابقاتها. تقول “أنا لم أعد أهتم بالغذاء بالدرجة الأولى بعد إيقاف الدعم الطبي، ما يشغلني الآن هو تحصيل خمسين دينارا من أي فاعل خير، لأشتري بها دواء”.
استياء متزايد من رفع الدعم
لم يتوقف المتطوعون والناشطون في إغاثة اللاجئين السوريين من إبداء تخوفهم واستيائهم من ازدياد الضرر الواقع على الحالات الكثيرة من المرضى والمصابين في الحرب، منذ قرر مجلس الوزراء الأردني معاملة اللاجئين السوريين كمعاملة الأردنيين غير المؤمَّنين في تشرين الثاني/نوفمبر، من عام 2014، وحتى اليوم، إذ ينبه الناشط الأردني في إغاثة السوريين محمود صدقة، إلى خطورة الاستمرار في وقف الدعم الطبي. ويشير بشكل خاص إلى أصحاب الأمراض المزمنة ومن يعانون من السرطان وغسيل الكلى وحالات الخداج، مبديا تخوفه من عدم قدرة اللاجئين على تحمل تكاليف العلاج. ويحمل صدقة المسؤولية الكاملة لتردي أوضاع اللاجئين الصحية للمفوضية.
في المقابل، يدافع مدير التأمين الصحي في الأردن الدكتور خالد أبو هديب، عن وجهة النظر الرسمية من الأمر، قائلا لـ”العربي الجديد”:”كان السوريون في بداية لجوئهم يتلقون العلاج من دون أن يسألوا عن إمكانية الدفع، بعد ذلك تعهدت المفوضية بسداد تكاليف علاجهم إلى أن ارتفعت المبالغ المطلوبة من المفوضية بشكل كبير جدا، ولم تعد قادرة على الالتزام بالدفع، مما شكل عبئا على الأردن في تحمل الكم الهائل من المطالبات المالية”.
ويضيف “احتراما منّا للأشقاء السوريين، كان القرار بأن تتم معاملتهم كمعاملة الأردني من حيث الفاتورة العلاجية؛ أي لا يتحمل أية نفقات إضافية على عكس المغتربين الآخرين”.
وفي السياق، يوضح الناطق باسم مفوضية شؤون اللاجئين في الأردن محمد حواري، أنه تم تصنيف اللاجئين إلى فئات حسب درجة الاحتياج، قائلا لـ”العربي الجديد”، “من يحظى بالعلاج هم الأكثر احتياجا أما الفئات الاخرى فيتم علاجها على حسب الإمكانات، ولدى حاجة أحدهم للعلاج يذهب إلى أحد مراكز العون الطبي، ومن ثم تشكل لجنة فورا وتقيم الحالة لترفعها للمفوضية ويتم علاجها حسب الإمكانية، وأما حالات الولادة فيجب الإخطارعنها قبل فترة، وتتكفل المفوضية بتكاليف الولادة، كما يوجد لدينا خدمة جديدة تسمى المساعدة النقدية للعلاج من خلال صرف مبلغ مالي للاجئ، ويقوم هو بدفعه للطبيب وهذا يوفر الكثير من المصاريف”.
شكاوى من المماطلة وسوء المعاملة
بـ”طبقية وتعال” تعاملت الموظفة المسؤولة في المفوضية مع هند، واكتفت بالرد على شكواها، حول حاجة أمها إلى توفير نفقات العلاج سريعا، قائلة على حد قول اللاجئة السورية “لا نستطيع تقديم كل المساعدة التي تريدينها من تأمين سكن وعلاج، عليك بالعودة أنت وعائلتك للمخيم مرة أخرى”، وتتساءل هند “لماذا نحن مسجلون بالمفوضية كلاجئين في حين يرفضون مساعدتنا؟”.
من جانبها، تقول أم يحيى “جاءت لجنة من المفوضية لزيارتنا، واطلعت على حال ابني المصاب بالشلل وسجلت في أوراقها: وجود حالة إنسانية في منزلي تتطلب المساعدة، ثم غادرت اللجنة، وحتى الآن لم أحصل على أية مساعدة من المفوضية”.
وردا على هذه الشكاوى، استهجن الناطق باسم المفوضية محمد حواري، الادعاءات السابقة بخصوص المماطلة وسوء المعاملة. ويوضح “نحن لا نسمح للموظفين بالمفوضية بالاعتداء على أي لاجئ بكلمات جارحة، فنحن المظلة التي تحميه بعد أن فقد أغلى ما عنده وهو الوطن”.
5000 أسرة على قائمة الانتظار
يرجع محمد حواري تقصير المفوضية في بعض الجوانب إلى قلة الموارد المالية والتمويل، لافتا إلى أن المفوضية قدمت مساعدات نقدية إلى نحو 32400 عائلة سورية، من أصل 633000 لاجئ سوري مسجل لديها.
ورغم تقديم المساعدات لهذا العدد إلا أن 5000 أسرة، ما زالت على قوائم الانتظار، للمرضى الذين يحتاج علاجهم إلى التمويل والدعم.
ومن جهتها تقول نسرين خزنة، عضو مجلس إدارة منظمة سوريات عبر الحدود (تأسست منذ أكثر من أربع سنوات، وتم تسجيلها في بريطانيا والأردن): “أصبح عدد الجرحى غير معقول، فقررنا إنشاء مركز للمصابين في الأردن، لكننا نشكو أحيانا من قلة التمويل، خاصة للسوريين من غير المصابين في أحداث الثورة، ما نعيشه كارثة بحجم وطن، لا أحد يساعدنا على علاج المرضى سوى منظمة أطباء بلا حدود و منظمة “الهاندي كاب” لمساعدة المعاقين، وبعض المتطوعين”.
وبينت أنهم تمكنوا من علاج 337 رجلا، و28 امرأة، و 40 طفلا منذ عام 2012 إلى عام 2015.
حقوقيا، يرى أمجد شموط، رئيس مركز الجسر لحقوق الإنسان، أن “تدفق اللاجئين بشكل كبير على الأردن فرض واقعا إنسانيا مؤلما جدا، وشكل عبئا على المنظمات الدولية التي لم تعد تتوافر لديها الإمكانات اللازمة في تقديم الدعم وتوفير خدمات الإغاثة والرعاية”.
بدوره، يطالب محمد الحسيني، مدير مركز هوية (منظمة مجتمع مدني تهتم بتطوير المجتمع)، “الدولة الأردنية بالضغط على المجتمع الدولي لتغطية تكاليف اللجوء السوري، لأن وضع البلاد لا يتحمل ذلك، خاصة أن المجتمع الدولي لم يغط سوى جزء ضئيل من خطة الاستجابة لحاجيات اللاجئين”.
وفي الوقت نفسه، يؤكد الحسيني ضرورة التزام الأردن بالإطار العام لحقوق الإنسان، إذ يتوجب على الدولة الأردنية حماية اللاجئين وتأمين الحياة والعيش الكريم لهم، مضيفا “لا يعقل أن يحرم اللاجئ من الدواء والغذاء والعمل، فإما التكفل بتأمين احتياجاته كلاجئ أو السماح له بالعمل بشكل رسمي”.
* المصدر: العربي الجديد
رابط المقال الأصلي: http://www.alaraby.co.uk/investigations/2016/5/10/%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85
Sorry Comments are closed