حينما صرح رامي مخلوف، في بداية الثورة السورية، إن أمن سورية من أمن إسرائيل، قامت قيامة السوريين الثائرين، وراحوا يتحدّثون عن شيء اسمه الخيانة، وشيء آخر اسمه المحاباة؛ زاعمين أن سكوت السلطة عن خيانة مخلوف كان بسبب قرابته مع ابن الرئيس الراحل.. رد عليهم الإعلام السوري، يومها، بكل هدوء وبساطة، بأن سورية دولة مواطنة، ودولة مؤسسات، وأن رامي مخلوف مواطن سوري عادي، فلو كان موظفاً في إحدى المؤسسات الحكومية لتعرّض لأقسى العقوبات المسلكية، ثم إن كلامه هذا يدخل في باب التحليل السياسي، ولا يتضمن دعوة صريحة لإسرائيل بأن تحتل جزءاً من الأرض السورية، أو أن تحتفظ بأجزاء احتلتها سابقاً.
قيل: ولكن في سنة 1995 كان كلام أدونيس عن وجود إسرائيل في منطقتنا ينتمي إلى التحليل السياسي، ومع ذلك عوقب.. فرد الإعلام السوري بأن أدونيس يومها كان عضواً في اتحاد الكتاب العرب، والاتحاد مؤسسة لها طريقتها بالعمل، وقد رأيتم كيف فصله الاتحاد من عضويته، وشرشحه.
لم يكن بمقدور دولة المؤسسات هذه أن تمنع أحد أعضاء مجلس الشعب السوري من القول إن حافظ الأسد هو سيدُ الوطن، ومن التباهي بأنه أول من أطلق هذه العبارة على الرئيس في سياق النضال ضد الاستعمار والإمبريالية والرجعية.. وفي وقت لاحق، لم تزعل السلطة السورية من عضو المجلس الذي حلف يميناً معظماً بأن بشار الأسد يستطيع أن يقود العالم، وحده، فالرجل قال رأيه، والرأي لا يفسد للود قضية.
ومع أن الدستور السوري لا يمنع أي مواطن سوري يبلغ الأربعين من الترشّح لرئاسة الجمهورية العربية السورية، إلا أن دولة المؤسسات السورية لم تستطع أن تمنع مجلس الشعب في يونيو/ حزيران 2000 من عقد اجتماع طارئ وتعديل الدستور، ليصبح بإمكان أي مواطن عمره 34 سنة الترشح للرئاسة، والذين عابوا على مجلس الشعب يومها سرعته في الانعقاد، وتعديل الدستور، هم أنفسهم كانوا يعيبون على مؤسسات الدولة، ومنها مجلس الشعب، البطءَ في العمل والإنجاز.
مؤسسة الجيش العربي السوري مستقلة بذاتها. ولذلك لم يكن في مقدور أحدٍ أن يمنع قيادة الجيش والقوات المسلحة من استغلال غياب المواطن السوري، بشار حافظ الأسد، لدراسة الطب في لندن، وتنسيبه إلى الكلية الحربية، وتسجيله حاضراً في كل الدورات التدريبية، ودورات الركن، حتى إذا ما عاد إلى سورية ومعه شهادة في طب العيون أكبر من ملحفة اللحاف، أعطته من جهتها رتباً وترفيعاتٍ ونياشين يحتاج الضابط إلى عُمُرين طويلين لبلوغها، لكن المهم في الموضوع أن الولد لم يدخل إلى مجلس الشعب ليؤدي القسم الرئاسي وكتفاه عاريان، بل إنهم وضعوا عليهما ما فتح الله ورزق من النجوم والتيجان والسيوف.
سورية دولة المؤسسات، فيها كلية لتدريس الفلسفة، وأساتذة فلسفة كبار، كبديع الكسم ونايف بلوز وصادق العظم وطيب تيزيني وأحمد برقاوي. ومع ذلك، هي لا تستطيع أن تمنع سهيل الحسن من عرض آرائه الفلسفية أمام عناصره، وكذلك الحال بالنسبة للأخ محمد قبنض الذي أشار إلى ضرورة الطبل والزمر من أجل مكافحة (الإرهابيون). وللعلم، فإن بإمكان سهيل الحسن ومحمد قبنض أن يقولا المزيد من الآراء الفلسفية، والاحتفاظ بها في مخطوطات، ثم مطالبة الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب في أتستراد المزة بطباعة أعمالهما الفلسفية الكاملة على حساب الاتحاد.
صحيحٌ أن في دولة المؤسسات ثغرات ينفذ منها المخالفون للقوانين، لكنها دولة ملأى بالمزايا التي تخدم الشعب على المدى الطويل. فبعد مضي سبع سنوات على الثورة السورية، مَنْ كان يستطيع أن يمنع مناضلين سوريين من توجيه تحيةٍ شبيهة بتحيات الراقصات في مقاصف الغاب إلى صديقهما أبي خالد ناظم حنطاية، مع ألف ليرة محروقة، وتحية لقائد سورية الأسد؟!
عذراً التعليقات مغلقة