ترجمة: رانيا محمود – حرية برس:
تناول الرائد “داني سيورسن” في مقالته في موقع “ريل كلير ديفينس” السياسات الأمريكية في سوريا. وأشار إلى أن محاولات تغيير الأنظمة، والأعمال العسكرية الموسعة هي ليست مجرد رهان سيء فحسب، بل أسوأ استثمار للولايات المتحدة أيضاً. حيث أن العمليات التي قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان، العراق، وليبيا، لم تحقق أي استقرار أو ازدهار لهذه البلدان بعد سنوات من احتلالها.
كما أن التدخلات العسكرية التي طال أمدها في هذه البلدان المضطربة لم تجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً، وذلك برغم المبالغ الطائلة التي تم إنفاقها في العمليات، وأكثر من 7000 قتيل من القوات الأمريكية، بالإضافة إلى أكثر من ميلون قتيل من المدنيين.
ويجد “سيورسن” وهو باحث في الشؤون الاستراتيجية في الجيش الأمريكي، أن تعهد إدارة ترامب في هذا الشهر بعملية لبناء المناطق التي تسيطر عليها شمال شرق سوريا، هو أمر مثير للاهتمام، نظراً لممارسات الولايات المتحدة غير المسبوقة مؤخراً.
واستشهاداً على فكرته ناقش “سيورسن” بعض عمليات الولايات المتحدة، ففي أفغانستان تحولت عملية محدودة للإطاحة بتنظيم القاعدة، إلى عملية مفتوحة لإعمار بلاد دمرتها الحرب المستمرة منذ عقود. وعلى الرغم من الجهود الأمريكية الرامية إلى تشكيل حكومة رئاسية مركزية – في بلاد كانت تقوم على مر التاريخ على أساس الحكم الذاتي الريفي – ونقل السلطة، إلا أن ذلك كان ضربة بعيدة المنال. واليوم بعد 17 عاماً، وفي مواجهة التفجيرات المستمرة وسط كابول، والعدد القياسي من المقاطعات والأقاليم الأفغانية الواقعة تحت سيطرة طالبان أو المتنازع عليها، من الواضح أن أول عملية قامت بها الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة كانت فاشلة.
كما أثبتت العملية الأمريكية في العراق أنها مازالت سيئة. وبعيداً عن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة، والفكرة المتصدعة في جوهرها، والتي افترضت أن نشر الديمقراطية بالقوة كان ممكناً، إلا أن الاحتلال الذي أعقب ذلك كان كارثة. حيث قُتل حوالي 4500 جندي أمريكي، ولقي مئات المواطنون حتفهم في الحرب الأهلية، كما ساعدت الحكومة الطائفية الشوفينية التي نشأت من الرماد على تعزيز نمو داعش، مما دفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ عملية عسكرية في العراق ماتزال مستمرة حتى الآن.
لم يشكل تغيير النظام في العراق أي مشكلة بالنسبة للمحافظين في الولايات المتحدة، كما أيّد التقدميون البارزون الغزو العراقي – بما في ذلك زعيم الأقلية الحالي في مجلس الشيوخ تشاك شومر- الرئيس. وقاد باراك أوباما بناء على طلب هيلاري كلينتون العملية الأمريكية الكارثية الثالثة من أجل تغيير النظام الليبي. ومن هنا تحولت العملية التي رُوّج لها تحت غطاء الإنسانية إلى الإطاحة بحكومة القذافي. وأدى ذلك إلى تمزّق ليبيا في وضعها الراهن، حيث اشتعلت الحرب الأهلية المزعزعة للاستقرار على الصعيد الإقليمي، وأصبحت تجذب المتطرفين كالمغناطيس. وانقسمت ليبيا اليوم بين ميليشيات وحكومات متنافسة. وقد أدت التداعيات الناجمة عن عدم الاستقرار في ليبيا إلى تحفيز الصراع بين مالي والنيجر على النفوذ، ومازالت الولايات المتحدة، وحلفاؤها تتصارع مع هذه الفوضى.
أسقط “سيورسن” هذه الحقائق على الوضع الأمريكي في سوريا، ومن وجهة نظره (أن الرئيس السوري قد فاز بشكل أساسي في الحرب الأهلية، وضمن بقاءه بفضل حلفائه الروس والإيرانيين، بغض النظر عن رغبة الولايات المتحدة بتنحيه). وبالنظر إلى واقع الأمر، فإن الولايات المتحدة والميليشيات الكردية المتحالفة معها لا تحتل سوى الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، ومازالت عالقة في ورطة غير مستقرة على طول نهر الفرات، ولن يستغرق الأمر الكثير من الوقت لإثارة صراع كارثي.
ومما زاد تعقيد هذه المعضلة، تواجه الولايات المتحدة هجوماً مضاداً للأكراد من قبل تركيا، وفي الواقع فإن الحليف المفترض للولايات المتحدة (حلف الناتو) قد حذرها من مغبّة الاستمرار بطريق الغزو.
وأشار “سيورسن” إلى أن هناك مشاكل متأصلة في الاحتلال العسكري للمنطقة الشمالية، فعلى الرغم من أن قوات داعش التقليدية قد هُزمت أساساً، إلا أن أيديولوجية الدولة الإسلامية ماتزال قائمة. وعلاوة على ذلك، فكلما طال بقاء الجيش الأمريكي، كلما كان الوضع يشبه الاحتلال لأجل غير مسمى، وذلك من شأنه أن يفضي إلى تمرد محلي أو مستوحى من داعش..
وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية تعتزم تقديم المساعدات الأساسية للبنية التحتية المحلية، إلا أن المسؤولين أعلنوا بوضوح أنهم يعتزمون تجنب إعادة بناء الدولة الكبيرة. وأوضح “سيورسن” أن هذا الموجز جيداً، لكن يجب تذكّر الدرس الذي تعلمته الولايات المتحدة في العراق: مادام الجيش الأمريكي هو قوة الأمن الرئيسية في المدينة، فالمتوقع من السكان المحليين أن يطلبوا المساعدة دوماً منه. ويرى “سيورسن” أن كل ما يحدث أو لا يحدث في شمال شرق سوريا سينقلب على الولايات المتحدة، سوء أكان إمدادات الكهرباء، أو نقص الغذاء والجفاف، .. الخ فهذه مشكلتنا. ومن خلال وعود وتحت إنتاج طويلة جداً، سوف ينمو الإحباط لدى السكان المحليين. وقد نتجت عمليات التمرد عن أقل بكثير. هذا هو فخ سوريا.
وأكد “سيورسن” أن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات صعبة وتحليل واقعي. قد يكون الجيش الأمريكي قد أنجز كل ما يمكنه وما يحتاج في سوريا، ومع توسع العملية باتجاه إيران التي يتم إجبارها على حل دبلوماسي في جنيف، وبناء الدولة بهدوء في الشمال الشرقي. قد تكون الولايات المتحدة، بكل وضوح، ترغب في كل هذه الأشياء، ولكن لا شيء يصنف كمصالح أمنية وطنية حيوية حقاً جديرة بالاستثمار العسكري الضخم. الواقعية تتطلب من الولايات المتحدة أن تزن الالتزامات الهائلة مع المكاسب المعقولة.
وختم “سيورسن” مقالته مشيراً إلى أن كل حالة مختلفة، ولكن إذا كانت هناك ثلاثة تغييرات حديثة في الأنظمة هي دليل للمستقبل، يجب على واشنطن أن تنظر بجدية في وضع أهداف الحد الأدنى، وتجنب ترك التكاليف الباهظة التي تغرق أمريكا أكثر في سوريا. ربما لا يكون ذلك لطيفاً، ولكنه على الأقل قد تمنع فشلاً آخر من الحدوث.
عذراً التعليقات مغلقة