ظهر مؤتمر سوتشي السوري مهزلة، سواء من حيث الحضور أو من حيث ما تقرَّر فيه، حيث كانت القرارات معدة مسبقاً، وفي إطار توافق دولي بشكل ما، ولم تكن نتيجة نقاش في “المؤتمر” الذي لم يكن سوى حشد استعراضي. كانت روسيا مضطرّة إلى قبول ما طرحه مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، قبل أشهر في جنيف، وربط ما يمكن أن “يتقرّر” في سوتشي بمسار جنيف. كانت عاجزة عن تقرير ما تريد في مؤتمر لمَّ حشداً لا معنى له، ولا قيمة، فقط ظهر أنها ترعى مؤتمراً لـ “شعوب سورية”، أو كما أُسمي: مؤتمر الحوار الوطني. ولكي تقول إنها عقدت مؤتمراً سورياً، قبلت بمخرجاتٍ لا علاقة لها بالمؤتمر، ولا بحوار المؤتمرين، حيث أرادت القول إنها المتحكّم في الحل السوري.
مسرحية هزلية جرى تمثيلها، لكن لم ينته الأمر، فقد ظهرت روسيا لاعبا هزيلا يستجدي موافقة دي ميستورا ودولا أخرى، لكي تظهر أنها قادرة على عقد مؤتمر سوري، على الرغم من كل وجودها العسكري. وضع كاريكاتوري أظهر هزال مقدرة روسيا على فرض حلها السياسي. لهذا لجأت إلى العنف الشديد، حيث بدأت في سلسلة غاراتٍ وحشيةٍ على إدلب وسراقب وبلداتٍ عديدة في ريف إدلب، زادت من وحشيته، بعد أن ظهر أنه يمكن إسقاط طائراتها. وبالتالي، يمكن أن تُكبَّد خسائر كبيرة، وهي تعتقد أن وحشيتها سوف تجعلها قادرةً على فرض الحل الذي تريده، على الرغم من تنبيهها بأن طائراتها يمكن أن تتهاوى بسهولة.
هل سيؤدي ذلك إلى أن تنجح في فرض حلها الذي تريد؟ لا بالتأكيد، فحلها مستحيلٌ مهما فعلت، وهي وحدها لا تستطيع تحقيق حل سياسي، وحتى إنْ توافقت مع أميركا وتركيا وكل الدول الأخرى على حلها فسيسقط. قلتها منذ البدء، لا حلّ بوجود بشار الأسد وحاشيته، ولا حل من دون تحقيق مطالب طرحتها الثورة منذ البدء. الثورة لم تستطع الانتصار، وربما لا تستطيع الانتصار، لكن ليس من الممكن هزيمتها، مهما جرى تشويهها، ومهما جرى اختراع قوى لتجهضها من داخلها، وأيضاً بغضّ النظر عن التوافق مع دولٍ كانت تدعي دعمها. ولا شك في أن ما جرى من قصفٍ لقاعدة حميميم، وإسقاط طائرة لها، يُظهر أنه يمكن أن تغرق في أفغانستان جديدة. ولهذا، عليها التخلي عن عنجهيتها، وعن اعتقادها أنها قادرة على أن تقرّر ما تريد.
لم يخرج الشعب السوري بهدف التغيير، ولم يسقط كل هذا العدد الضخم من الشهداء، ويتشرّد ملايين السوريين، ويعتقل مئات الآلاف، لكي يبقى بشار الأسد وحاشيته. هذه هي المعادلة البسيطة التي كان من يمكن حلها قبل أن يجري ذلك كله، لكن عنجهية النظام، ثم إيران، والآن روسيا، هي التي أوصلت إلى ذلك من أجل بقاء النظام. لكن، ليس من الممكن أن يبقى، ومن المستحيل أن يبقى، مهما توحشت روسيا التي باتت تدافع عن مصداقيتها، وعن ادعائها أنها قوة عظمى مقرّرة. وتنطلق وحشيتها الآن من إقناع ذاتها أنها مقرّرة، على الرغم من كل الفشل الذي تعانيه. مرّت سنتان ونصف السنة مارست فيهما كل وحشيتها، واستخدمت كل أسلحتها الأكثر حداثة، وجرّبت كل ما تستطيع، لكنها تقف عاجزةً عن فرض الحل الذي تريده. فحين عقدت “سوتشي” ظهر مهزلة، وهي لم تتقدّم على الأرض إلا بصفقات، مع تركيا ومع “داعش” ومع جبهة النصرة، وفي منطق تحقيق المناطق “منخفضة التصعيد” التي رعتها تركيا، أو أميركا والأردن والدولة الصهيونية، أو مصر كما قيل. وكل ما فعلته هو قتل الشعب، وتدمير المستشفيات والمدارس والبنى التحتية، فهذا هو الفعل الحقيقي لطيرانها. وهذه هي وحشيتها.
ما يفعله الروس من قتل وتدمير يجب أن يفرض تحويل فلاديمير بوتين، ووزير دفاعه شويغو، إلى محكمة الجنايات الدولية، كونهما مجرمي حرب، بعد كل ما فعلوا. لكن أن يكون واضحاً لنا أننا نواجه احتلالاً روسياً، ومتعدّد الأطراف.
Sorry Comments are closed