الإسلام السياسي جانٍ أم مجني عليه؟

عماد غليون4 فبراير 2018آخر تحديث :
الإسلام السياسي جانٍ أم مجني عليه؟

الحديث عن الإسلام السياسي وتقييمه يرتبط بشكل مباشر بالأحزاب والحركات الإسلامية التي تدنت شعبيتها إلى حدها الأدنى في الآونة الأخيرة حتى في صفوف الكثير من أنصارها ومؤيديها على خلفية أدائها السياسي المخيب للآمال، الذي انكشف  وتراجع بشكل حاد وباتت توجه إليها الانتقادات الشديدة مطالبة بإبعادها نهائياً عن الحياة السياسية واقتصارها على العمل الخيري والدعوي؛ مع أنها وصلت لمرحلة القبول الشعبي بها والتعاطي الخارجي معها بعد الربيع العربي الذي أعطى فرصة ذهبية لجميع الحركات والتنظيمات السياسية للعمل بحرية وبشكل علني منذ عقود طويلة، إلا أن التنظيمات الإسلامية على تنوعها  وخاصة الإخوان المسلمين كانت المستفيد الأكبر مستغلة دعم دول إقليمية.

تطرح الحركات الإسلامية في برامجها وأهدافها تطبيق مبادئ الحكم والشريعة الإسلامية، مستندة إلى قاعدة شعبية واسعة   وذلك ما يثير على الدوام حفيظة القوى السياسية الداخلية والخارجية منها، حيث يتم اتهامها على الدوام بالسعي للسيطرة على الحكم وفرض أنظمة شمولية من خلال إلغاء الحياة الديمقراطية.

ما يثير ريبة الناس من التنظيمات الإسلامية هو عملها السري المغلق بسبب حظر السلطات الدائم لها، وفي أفضل الأحوال كانت تستطيع العمل بشكل موارب من خلال الجمعيات الخيرية والمؤسسات الدينية، مستغلة تسامح السلطات معها ومستفيدة من  الكتب والنشرات والمطبوعات التي تتبنى أفكارها وحديثاً  أضافت وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الاجتماعي.

بالمقابل فإن المظلومية التي تعرضت لها تلك التنظيمات تاريخياً عبر عقود على أيدي الأنظمة الحاكمة على اختلافها، أكسبتها تعاطفاً شعبياً منحها نوعاً من الشرعية والقبول، مما جعل السلطات في بعض البلدان تعمل على احتوائها ودمجها في دائرة الحكم كما هو الحال في الأردن والكويت والمغرب على سبيل المثال.

معضلة التنظيمات الإسلامية ترجع أساساً لعدم قبول الحكومات الغربية الاعتراف بها أو التعامل معها، وهذا العداء الغربي يكسبها مزيداً من المصداقية أمام جمهورها رغم ما أثاره بعض الكتّاب حول أدوار مشبوهة في تأسيس الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي أهم التنظيمات الإسلامية.

بدى الغرب باستمرار يفضلون أنظمة ديكتاتورية عن تلك الديمقراطية، وقد كشف الربيع العربي ذلك بوضوح من خلال التقاعس عن دعم حركة الشعوب العربية وتطلعاتها نحو الحرية والديمقراطية، لا بل تأكد في نهاية المطاف ما هو أسوأ من خلال تعويم الأنظمة البائدة أو إعادة إنتاجها بأشكال جديدة رغم كل الجرائم التي ارتكبتها بحق شعوبها وخاصة الأسد ونظامه، وقد تم بالفعل إجهاض  حركة النهضة في تونس والإخوان في مصر بعد استلامهما سدة الحكم.

لا يمكن الجزم بفهم وتفسير أحادي للتطورات الدراماتيكية على مسار الثورة السورية لكن الوقائع الكثيرة والمآلات اللاحقة باتت الآن تسمح بإطلاق الأحكام.

استطاع  الإخوان المسلمون الهيمنة على قرار المعارضة السياسية من خلال مؤسساتها وهيئاتها المختلفة، كما احتكروا معظم الدعم المالي والعسكري وهذا أعطاهم  الشعور والوهم بأنهم حكام سورية القادمون، مما دفعهم  لارتكاب أخطاء فادحة تمثلت بتصرفات حزبية وفئوية ضيقة وتخصيص المكاسب والمناصب للأنصار والموالين والمقربين وتهميش الكفاءات وإقصاء الخبرات الوطنية وعدم الحوكمة والمحاسبة والتصدي للفساد؛ وفي المجال العسكري قاموا بتوجيه الدعم بشكل مركز باتجاه فصائل تتبنى الأجندة الإسلامية الجهادية مما أدى لظهور تنظيمات عسكرية متشددة وصولاً للتطرف لدى جبهة النصرة وداعش وشكل ذلك الضربة الأقسى للثورة السورية.

رغم تلقيها الدعم الخارجي بسخاء إلا أن التنظيمات الإسلامية وقعت في أحضان الدول الداعمة وخسرت استقلاليتها وحرية قرارها لصالح تلك الدول؛ مما جعلها في مواقف صعبة ومحرجة فيما بعد مع تغير المواقف الدولية والإقليمية لاضطرارها لتبرير وتفسير تبدل مواقفها المبدئية باستمرار انسجاماً مع رغبة الدول الداعمة وضغوطها، وهذا ما ساهم في خسارتها مصداقيتها واحترامها وجعلها تبدو مثل غيرها من الحركات السياسية التي تبحث عن مصالحها بشكل براغماتي.

لا يخفى الدور المباشر الذي لعبه الغرب في أحداث الربيع العربي واستطاع من خلاله شيطنة حركات الإسلام السياسي وتحويلها لمنظمات إرهابية؛ حيث اتضح أنه يقف ضد وصولها للسلطة ويفضل الحكومات الديكتاتورية عليها ولا تجد دعوة الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري أي صدى أو تأثير بأن من حق الشعوب الإسلامية أن تختار نمط الحكم أو الدستور الذي يناسبها حتى لو كان ذلك الشريعة الإسلامية.

على حركات الإسلام السياسي أن تستوعب الظرف التاريخي الخطير الذي يعصف بها وأن تعمل على التحول بصدق ودون مناورة لأحزاب سياسية وطنية تلتزم بالدستور والقوانين وأن تقوم بإلغاء فكرة تطبيق الإسلام قسراً من خلال وصولها للحكم بل من خلال عقد اجتماعي بين جميع مكونات الشعب.

كانت حركات الإسلام السياسي مظلومة أو مجنياً عليها قبل أحداث الربيع العربي ولكنها تحولت لتكون جانية وظالمة للآخرين فيما بعد، أما تصحيح المشهد وإعادة اكتساب ثقة الناس فهو أمر بالغ التعقيد بلا شك.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل