كانت نية الروس أن يكون مؤتمر سوتشي نهاية للثورة السورية والاحتفال بتثبيت الأسد ونظامه حاكمين في سوريا وللأبد؛ إلا أن مجريات الأحداث سارت على عكس كل التوقعات.
هذا الشعب العظيم الذي لا يزال يذوق مرارة الموت والجوع والبرد والتشرد منذ سبع سنوات، لكنه رغم ذلك لا يزال يقف شامخاً، لا يتنازل عن ذرة كرامة خرج من أجلها، لم تخفه الصواريخ والطائرات، ولم يرعبه الموت. هذا الشعب العظيم الذي كان له الدور الأساسي بالضغط على من يسمون أنفسهم ممثلي “المعارضة” والثورة بعدم الذهاب إلى سوتشي.
هدد الروس وتوعدوا بالإنتقام من الشعب السوري في حال رفضت الوفود الممثلة “للمعارضة” الذهاب الى سوتشي. وكان يظن الروس أن هذا الأمر سيدفع الحاضنة الشعبية إلى الضغط على الممثلين للانصياع للرغبة الروسية، لكن ما حصل هو العكس تماماً، فقد أعلنت القاعدة الشعبية للثورة أن كل من يذهب إلى سوتشي خائن للثورة وخائن لدماء السوريين. وتحت ضغط القاعدة الجماهيرية رفض وفد “المعارضة” الذهاب إلى روسيا، ونفذ المجرمون الروس تهديداتهم بقصف كل المناطق المحررة اعتباراً من إدلب وانتهاءاً بالغوطة، وارتكبوا العديد من المجازر في اليومين الفائتين بحق المدنيين الأبرياء. ولم يزد هذا الأمر الشعب السوري العظيم إلا إصراراً وتشبثاً بكرامتهم وحريتهم.
المهزلة التي نقلت عن وفد النظام المجرم بدءاً بصعودهم بالطائرات وانتهاءاً بقاعة المؤتمر الرسمية بسوتشي، تؤكد أنهم ليسوا سوى كلاب كل ما تجيده هو العواء والغناء تمجيداً لخائن الوطن ومحتليه، والرقص على دماء وأشلاء الشعب السوري. من تابع أحداث المؤتمر يظن نفسه باجتماع حزبي أو جلسة لما يدعى “مجلس الشعب السوري”، سواء من حيث آلية الإجتماع وأسلوب العمل فيه، أو من حيث ترتيب جلوس الحاضرين وتوزيعهم بشكل يدعو للسخرية والقرف بأنهم يمثلون أطياف الشعب السوري كله بشكل عفوي، وهذا ما يؤكد أن كل من حضر اعتباراً من الجالسين على المقاعد ووصولاً إلى المصور وانتهاء بالمخرج، جميعهم يعملون تحت إمرة المخرج الحقيقي للمشهد كاملاً والذي هو عبارة عن عنصر بالمخابرات.
لكن مؤتمر سوتشي فشل فشلاً ذريعا سواء بالرفض من قبل كل من يمثل الثورة و “المعارضة” وبالإضافة إلى مقاطعة الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الغربية له، ومن ثم مهزلة تأخر جلسة الافتتاح لأكثر من ساعتين ونصف، وحصول إشكالية مع الوفد التركي من جهة ومع ممثل الأمم المتحدة ديمستورا من جهة أخرى.
أعتقد أن الروس اليوم في موقف محرج جداً، فبعد كل هذا الموت والتدمير وعجز أحدث ما يملكون من سلاح بأن يركع طفل سوري حر، وأعتقد لو لم يكن الروس محرجين داخلياً ومضغوطين دولياً ما استبسلوا كل هذا الاستبسال في عقد مؤتمر سوتشي بأي شكل من الأشكال، ولعل الاستمرار بالنهج العسكري لن يفيد إلا بمزيد من التكاليف المالية الباهظة، والإيغال أكثر بدماء الأبرياء من السوريين. وبعد أن كانوا يخططون ويحلمون بإعلان انتصارهم وإنهاء الحرب والانسحاب بأسلوب يحفظ ماء وجههم أمام الشعب الروسي وأمام الرأي العام العالمي، لكنهم فشلوا.
موازين القوى العالمية لا تسير حسب هوى أشرعة أحلامهم اليوم، فماذا هم فاعلون؟ أعتقد ان الأيام القريبة حبلى بتغييرات كبيرة بطبيعة الصراع في سوريا، والله أعلم.
عذراً التعليقات مغلقة