الملك الأردني: لا رابح في سوريا والهلال الإيراني يهدد دول المنطقة

فريق التحرير126 يناير 2018Last Update :

كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أول من تحدث عن سعي إيراني للتوسع في المنطقة وإثارة احتقان طائفي ضمن توصيف دقيق أطلق عليه مطلح “الهلال الشيعي”.

جاءت تحذيرات الملك عبدالله خلال زيارة إلى الولايات المتحدة في ديسمبر 2004، أي بعد عام واحد من الغزو الأميركي.

اليوم غيّر الملك عبدالله من هذا المصطلح وجعله “الهلال الإيراني” بدل “الهلال الشيعي”، وفسر ذلك خلال جلسة حوارية انعقدت ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أدارها الإعلامي الأميركي في شبكة “سي إن إن” فريد زكريا، تطرق خلالها إلى مختلف الملفات المتداخلة مع هذا المشروع والتي سبق أن تحدث عنها الملك عبدالله في رؤيته الاستشرافية التحذيرية خلال حواره مع واشنطن بوست سنة 2004.

في تلك الفترة لم تظهر بعد في الأفق بوادر الربيع العربي والفوضى التي فتحت أبواب المنطقة للأجندة الإيرانية، لكن مجرد سقوط العراق كان ينذر بأن المنطقة ستشهد انقلابا استراتيجيا خطيرا وتغييرات في خارطة المصالح السياسية والاقتصادية لأهم دول المنطقة.

وقد حذّر الملك عبدالله حينها، في حواره مع صحيفة واشنطن بوست، من وصول حكومة عراقية إلى السلطة مدعومة من نظام الثورة الإسلامية في إيران وتتعاون مع نظام البعث في سوريا لإنشاء هلال يقسم المنطقة طائفيا (سنة وشيعة) يمتد إلى لبنان، ما يدعو إلى التفكير الجدي في مستقبل استقرار المنطقة.

واليوم، تتجلى دقة هذه الرؤية بوضوح في ظل ما تعيش على وقعه المنطقة من أحداث وتطورات وتغييرات تشمل عموم المنطقة في علاقة بالاتفاق النووي الذي وقعته القوى الدولية مع إيران، والذي فتح الباب لتكمل إيران ما بدأته مع التدخل في العراق إثر الغزو الأميركي، وفي علاقة بما يجري في سوريا واليمن وما يعيش على وقعه لبنان في ظل سيطرة حزب الله وصولا إلى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل وتداعيات ذلك على القضية الفلسطينية والأردن الذي يعد لاعبا رئيسيا في كل ما يتعلق بها.

وفسر الملك عبدالله سبب الانتقال من الحديث عن “الهلال الشيعي” إلى الهلال الإيراني، مشيرا إلى أن ما تواجهه المنطقة اليوم من قضايا وتحديات سببه السياسة الخارجية الإيرانية التي تتجلى ممارستها بوضوح في الوضع في العراق وسوريا، واليمن مثال آخر على وجهة النظر العربية وأولوية التعامل مع إيران.

وأضاف أن الأردن يواجه تحديا على حدوده مع سوريا، ويتمثل هذا التحدي في مجموعات تدعمها إيران، كما أعرب عن قلقه إزاء مستقبل لبنان الذي عانى كثيرا على مدار العقود العديدة الماضية، والديناميكيات الراهنة يمكن أن تخلق المزيد من المشاكل.

وحذّر الملك عبدالله من دقّ طبول الحرب لأن ذلك لن يعود بالنفع على أيّ طرف، وأعرب عن أمله في أن يؤدي الحوار إلى تفاهم.

وانتقل الحديث إلى أزمة إيران الداخلية وما شهدته البلاد من مظاهرات شعبية في الفترة الأخيرة رفعت فيها شعارات مست مركز النظام وتجاوزت خطوطا حمراء وتداعيات ذلك على السياسة الخارجية.

وقال العاهل الأردني، في رده على سؤال فريد زكريا حول إن كانت إيران الآن تمرّ بمرحلة من التراجع بسبب صعوبات داخلية معيّنة، إنه لا يعتقد أن هناك تغييرا كبيرا في السياسات الإيرانية، لأن المسؤولين القائمين على النظام يفكرون بأسلوب إستراتيجي وبعيد المدى. لذلك ستستمر السياسة الخارجية الإيرانية في نهجها الحالي. أما التحديات الداخلية، فهي أمر آخر، ولها روايتان مختلفتان بحسب وجهات النظر.

وفي حديثه عن الاتفاق النووي مع إيران وموقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه والذي قد ينتهي بالانسحاب، أكد الملك عبدالله الثاني أن الأردن يدعم دائما وبكل قوة اعتبار الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وينطبق هذا على الجميع. إن الأسلحة النووية، المحتمل إنتاجها في المنطقة أمر مخيف.

وأعرب عن تفهمه لموقف الرئيس الأميركي الذي يهدد بالانسحاب من الاتفاق، وأيضا بدا العاهل الأردني متفهما للموقف الأوروبي، حيث قال “أنا أعرف بأن الأوروبيين والولايات المتحدة مازالوا يبحثون هذه القضية، وآمل أن يتوصلوا إلى تفاهم مشترك”.

يعتبر الأردن طرفا رئيسيا في أي موضوع يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالصراع العربي الإسرائيلي، وهو طرف يؤثّر ويتأثر بمجريات عملية السلام في الشرق الأوسط وأي قرار أو خطوة لها علاقة بالموضوع، لذلك كان نشطا في الفترة الأخيرة على خلفية قرار دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية للقدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل.

وتوقف الملك عبدالله مطوّلا عند هذه المسألة التي قال إنها تشكل تعقيدا بالنسبة للأردن، مشيرا إلى أنه أجرى حوارات جيدة مع الرئيس ترامب والإدارة الأميركية على مدار السنة الماضية.

وكان موقف الأردن نفسه بشأن اعتبار موضوع القدس جزءا من حل شامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن، تم اتخاذ القرار وكان له ردّ فعل عنيف لأنه أحبط الفلسطينيين الذين يشعرون بأنه لم يعد هناك وسيط نزيه.

وقال الملك عبدالله إن “القدس تُعتبر موضوعا عاطفيا للجميع، وأعتقد أن علينا أن ننظر إلى المستقبل بالنسبة لما نريده للقدس: فهل ينتهي المطاف بالقدس كمدينة تفرقنا، وهو الأمر الذي أعتقد أنه سيكون كارثيا للإنسانية جمعاء، أم هل تبقى القدس مدينة الأمل التي توحّدنا؟ فهي مدينة خالدة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين وكذلك اليهود”.

وذكر برسالة قداسة البابا فرانسيس في عيد الميلاد، حيث أعرب عن أمله في أن يتم التعامل مع القدس كجزء من تسوية تقوم على المفاوضات والوضع القائم، فالمدينة بذات الأهمية للمسلمين كما هي للمسيحيين، وكل قادة الكنائس في القدس طلبوا من الأردن أن يتوجه إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي باسمهم. لذلك فالموضوع لا يرتبط فقط بالمسلمين واليهود، وإنما هذه المدينة إما أن “تخلق لنا مشاكل كبيرة في المستقبل، وإما أن تكون مظلة تمنحنا الأمل لنسير قُدُما”.

وهناك العديد من الفلسطينيين يقولون الآن إن حكومة بنيامين نتنياهو والكثير من السياسات التي تنتهجها تُظهِر بشكل أساسي بأن حلّ الدولتين قد مات، لكن حسب رأي الملك عبدالله الثاني “في ضوء ما نراه اليوم، يجب أن نتمهل في إصدار الأحكام – رغم أنه لديّ بعض الشكوك – إلى حين أن يطلعنا الأميركيون على الجانب الآخر من الخطة، خطة السلام”.

وأضاف أن المشكلة الحالية الآن، هي أن الفلسطينيين وبسبب الشعور الكبير بالإحباط لا يشعرون بأن الولايات المتحدة وسيط نزيه. إلا أنهم في ذات الوقت يتواصلون مع الأوروبيين، وفي ذلك إشارة إلى أنهم يريدون السلام. لكن، إذا انسحب الفلسطينيون لأن خطة السلام ليست جيدة، إلى أين سنذهب، هنا المشكلة.

الملف السوري

توقف الملك عبدالله الثاني في حواره مع فريد زكريا عند الأزمة في سوريا، مشيرا إلى أنه لا يعتقد أن هناك رابحا في سوريا، كما أن الحل للأزمة لن يكون قريبا بوجود العديد من اللاعبين الدوليين في سوريا بأجنداتهم الخاصة.

وتطرق إلى دور الأردن في قرار مناطق خفض التصعيد معتبرا أنها أحد النماذج الإيجابية التي يمكن أن نشير إليها في ما يخص سوريا. فمنذ ربيع العام الماضي وحتى هذا اليوم، يعمل الجيشان الأميركي والروسي تحت مظلة الأردن على إدارة مركز يعمل على مدار الساعة لتفادي النزاعات واستدامة الاستقرار في الجنوب. والخطوة التالية، هي كيفية تطبيق هذا النموذج في الوسط والشمال. وقد أصبح الوضع في الشمال أكثر تعقيدا بسبب التحديات التي ظهرت مؤخرا والمتعلقة بتركيا.

يؤمن العاهل الأردني بأهمية الحوار لحل مختلف الأزمات، وهو حل ينطبق أيضا على الوضع في سوريا حيث يؤكد على أهمية الوصول إلى جنيف في نهاية المطاف من أجل الجانب السياسي.

وعلى غرار سوريا، يرى الملك عبدالله أن الحوار هو السبيل للخروج من مأزق اليمن، مشيرا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، ويجب دعم جهودها في هذا المسعى.

وسأل فريد زكريا العاهل الأردني عن الإستراتيجية وراء ما يبدو أنه سياسة خارجية جديدة للسعودية تعتمد على أسلوب المواجهة، فهي تتحدّى إيران في لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي قطر وطبعا في اليمن.

وأجاب الملك عبدالله بأنه يعتقد أن السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز تلعب دورا فاعلا واستباقيا لم نره منذ مدة. ومرد هذه السياسة تدخّل إيران في العديد من الدول العربية، كما ظهر مجددا خطر استغلال جماعات وقضايا على أسس دينية.

وحول رأيه بمواقف ترامب وما سبق له أن قاله حول وجود كره لدى المسلمين للغرب، قال الملك عبدالله إن الإسلام ليس دين كراهية، وإن المسلمين يؤمنون بكل الأنبياء وتحيتهم هي السلام ويرددونها العشرات من المرات يوميا. ولكنه لفت إلى وجود ما وصفه بـ”الحرب الأهلية داخل الإسلام” بين المسلمين العاديين وبين المتشددين الذين لا يكفرون الأديان الأخرى فحسب بل وسائر المسلمين. كما حض على التنبه لوضع المسلمين في أميركا وضرورة ألا يشعروا بالعزلة بسبب طبيعة الخطاب السياسي وإلا فإن ذلك سيخلق المزيد من التحديات.

مستقبل الشرق الأوسط

اختم الملك عبدالله الثاني الحوار متحدثا عن المستقبل وإلى أي مدى يمكن التفاؤل بشأن الشرق الأوسط، مؤكدا أن الشرق الأوسط عبر مفترق طرق مهم للغاية قبل سنوات عديدة هو الربيع العربي، والذي انطلق على يد شباب أرادوا أن يروا تغييرا ديناميكيا في المنطقة، لكنّه لسوء الحظ اختطفته جماعات دينية ذات أجندة متطرفة، والتي، برأيه، دعمها الغرب.

وأضاف “أعتقد أن القومية العربية قد تراجعت مع الربيع العربي. ففي داخل دولنا بدأنا نقول: حسنا، أنا لدي هموم عربية ولكنني، في واقع الحال، أردني، وأنا أهتم بالقضايا الأردنية. أنا لبناني؛ وأنا أهتم بالقضايا اللبنانية. أنا مغربي…الخ. لذا، سيستغرق الأمر بعض الوقت إلى حين أن يتجاوز الجميع مشاعرهم الوطنية ويعودوا وينظروا، كما هو الحال في أوروبا، إلى الصورة الأكبر“.

ويرى الملك عبدالله أن الخروج من المعركة منتصرين يكون من خلال التعاون والتقارب، ويشرح ذلك بقوله “تتعرض منطقتنا لتغيير تاريخي كبير ولا تزال هناك بعض المعارك التي علينا أن ننتصر فيها. هناك دول في الشرق الأوسط تتقارب مع بعضها البعض على أساس ثنائي، وتزدهر سوية. وهذه الدول ترى أن لديها نفس الأفكار فتدعو إلى التقارب وبناء سياسات إستراتيجية عربية أكثر تماسكا”.

Source العرب اللندنية
Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل