ترجمة: رانيا محمود – حرية برس:
اعتبر كل من الصحفية والباحثة “جينيف عبدو” والمحلل في قضايا التطرف في الشرق الأوسط “عبدالله هنداوي” في مقال نشرته وكالة “بلومبيرغ” أنه على الرغم من أن الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة قوبلت بالقمع إلى حد كبير حتى الآن، إلا أن خصائص هذه الانتفاضة الخاصة تُشير إلى أنها على عكس الثورة الخضراء 2009، وغيرها من الاحتجاجات السابقة، حيث يمكن لهذه الاضطرابات أن تستمر بشكل متقطع لعدة سنوات قادمة.
وعلى الرغم من أن المتظاهرين – وهم إلى حدّ كبير من العمال والمزارعين من قرى ريفية ومتدينة محافظة – لم يكونوا جزءاً من حركة موحدة أو منظمة، إلا أنهم يتقاسمون الشكاوى التي غذّت غضبهم، ويمكن أن يكون هذا العامل مُغيّراً في اللعبة. وأشارت المقالة إلى أنه على نقيض الانتفاضات السابقة في إيران التي تمحورت أهداف المتظاهرين فيها حول أهداف سامية مثل الديمقراطية والانتخابات الحرة، إلا أن شكاوى هذه الاحتجاجات عملية و مُلحّة، لأن حياتهم أصعب بكثير من حياة الإيرانيين في المدن الكبرى.
و ضرب الصحفيان مثالاً حول موضوع البطالة التي تبلغ نسبتها في طهران – التي كانت ومازالت على مر التاريخ مركز للاحتجاجات – 13% و ذلك بحسب وزارة الداخلية الإيرانية. ولكن في المناطق الريفية مثل محافظتي “بشاغارد” و”هورمزغان” يتجاوز معدل البطالة 45 %، و يصل في بعض المدن إلى 60 %. و قالت الحكومة في السنة المالية التي انتهت في مارس/آذار 2017، أنها أوجدت 650 ألف وظيفة، ولكن هناك حاجة إلى 1.5 مليون وظيفة جديدة لخفض معدل البطالة.
واعتبرت المقالة أن الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية تجعل هذه الاحتجاجات مختلفة عن تلك التي حدثت في الماضي القريب . فأولاً إن المحتجين اليوم هم ممن يعتنقون فكر علي شريعتي الذي توفي قبل فترة قصيرة من ثورة 1979 و كان يُلقّب ب “المظلوم”. و كانت نظريته التي تتمحور في التحرير الإسلامي مؤثرة جداً، وملهمة للإيرانيين في ثورتهم ضد نظام الشاه، وذلك للسبب ذاته الذي دفعهم للنزول إلى الشوارع الشهر الماضي، والذي يتجلى بغياب مجتمع المساواة.
و ثانياً: بقيت الطبقة الوسطى الحضرية على الهامش بشكل واسع في الاحتجاجات الأخيرة، وتظهر الحركات الاجتماعية، سواء كانت هياكل عالية التنظيم أو انتفاضات فضفاضة، عندما تتعرض مجموعة من الناس إلى الظلم أو سوء المعاملة. وتُعالج هذه المظالم في البلدان الديمقراطية في قاعات المحاكم أو البرلمانات المنتخبة بشكل حر، و لكن في بلدان كإيران حيث السلطة القضائية، والإعلام، والبرلمان، تمنح ولاءها للنخبة الحاكمة، فإن الحكومة لا توفر جهداً لسحق الحركة الناشئة.
وعندما يعبر المتظاهرون عن غضبهم في الساحة، فغالباً ما يعتبر النظام مظاهراتهم غير قانونية. وفي أعقاب المظاهرات التي سبق أن أعلن النظام أنها سُحقت، ظهر العديد من التقارير التي تُشير إلى أن عدداً من المتظاهرين الذين تم اعتقالهم قد انتحر في السجن.
لقد كانت هناك ثلاثة موجات رئيسية من الاضطرابات الضخمة منذ الثورة الإسلامية عام 1979 . ففي عام 1999 بدأ طلاب جامعة طهران بالتظاهر عندما قامت الحكومة بإغلاق صحيفة إصلاحية في وقت نادر بدأت فيه الصحافة الحرة بالظهور. وعلى الرغم من انتشار المظاهرات في بعض المدن، إلا أنها كانت بقيادة الطلاب في المقام الأول، وتم سحقها بعد ستة أيام. وكانت “جينيف” – أحد مؤلفي هذه المقالة – في الشوارع مع المتظاهرين آنذاك ، وكان موطن الضعف الأساسي لديهم هو أنهم لم يستطيعوا إلهام الطبقة العاملة الإيرانية الأكبر سناً للانضمام إلى انتفاضتهم.
و كانت الجولة الثانية بين عامي 2009_2010 التي عُرفت بالثورة الخضراء. تمكن قادة هذه الانتفاضة من حشد ملايين المتظاهرين في طهران وحول البلاد لأكثر من عام. بدأت الاحتجاجات بناءاً على الاعتقاد المؤكد بأن انتخابات الرئاسة التي وصل فيها محمود أحمدي نجاد للحكم في عام 2009 كانت مزورة. لكن الانتفاضات جاءت لتشمل قضايا أكثر عمقاً، مثل انعدام الشفافية الانتخابية.
و في كلا الجولتين كانت الحركات تتألف في المقام الأول من المتعلمين وكل من الطبقة المتوسطة والعليا في إيران، ممن طالبوا بالانتخابات الحرة والعادلة، وصحافة حرة، و إنهاء حكم رجال الدين. كان البعض يملك موارداً وتمكن من الفرار إلى أوروبا لتجنب الاعتقال أو لمجرد الاستقرار من جديد من أجل حياة أفضل.
و في هذه الموجة الثالثة يمضي المتظاهرون بمطالبهم إلى المستوى التالي، على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من استمالة الطبقة الوسطى الحضرية للانضمام إليهم. وفي حين أنه قد يكون من الصحيح أن الاحتجاجات قد تكون ناجمة عن الأزمة الاقتصادية الإيرانية ، إلا أن هتافات مثل “الموت للديكتاتور” ، الموت لحزب الله” تظهر استياءاً واسع النطاق حول السياسات الإيرانية ذات الدوافع الأيديولوجية. و بدلاً من تحسين الاقتصاد فإن إيران تُنفق مليارات الدولارات على توسعها العسكري في الشرق الأوسط.
و بحسب أحد التقديرات فإن حزب الله وحده يتلقى حوالي 20 مليون دولار شهرياً من الخزائن الإيرانية. و على الرغم من أن خطاب قادة إيران منذ ثورة 1979 دعا إلى شرق أوسط إسلامي ، حيث يتحد السنة و الشيعة تحت حكم إيران ، إلا أن البلاد قد اتبعت في الواقع سياسة عسكرية مؤيدة للشيعة أولاً في لبنان ثم في سوريا حيث عملت إيران على الإبقاء على الرئيس بشار الأسد في السلطة، ثم في العراق، والآن في اليمن.
وبالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها الخميني في 1979 بعد فترة وجيزة من قيادته للثورة الإسلامية، فإن الوعود التي قطعتها إيران على شعبها آنذاك لم تتحقق حتى بعد مضي 40 عام عليها، حيث تعّهد بأنه سيضع عائدات النفط على طاولة الشعب وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة “كيهان” المتشددة. و أضاف : “لا يوجد ديكتاتورية في دولة إسلامية “.
ومع تطور الأجيال، بدأ الشباب المتعلمون يشعرون بالحرمان لأن درجاتهم الجامعية لم توفر لهم أي فرص عمل. وبعد أربعة عقود نزل الإيرانيون أخيراً إلى الشارع، فهم موقنون أن المتشددين في النظام – المرشد الأعلى والحرس الثوري الإسلامي – لا يهتمون كثيراً بسبل معيشتهم. حيث أن خامنئي نفسه يسيطر على مليارات الدولارات من خلال استثمارات سرية، وفقاً لتحقيق أجرته رويترز في عام 2013. وهي جزء من الوقف الذي يديره المقر لتنفيذ أمر الإمام، الذي أسسه الخميني أصلاً لمصادرة ممتلكات الإيرانيين المهجورة خلال وبعد الثورة.
فما هو الآتي ؟ من المهم أن نفهم أن الحركات المماثلة للحركة الحالية في إيران قد تشتعل و تبرد، لكنها نادراً ما تموت تماماً في حال لم تتم معالجة الشكاوى. وفي إطار خطة التنمية الإيرانية للفترة 2017- 2020، ستحتاج الدولة إلى استثمار سنوي بقيمة 200 مليار دولار لإيجاد 1.5 مليون وظيفة مطلوبة لتجنب ارتفاع البطالة. وبالنظر إلى الإنفاق العسكري الهائل لإيران في الشرق الأوسط، فمن غير المرجح أن ينفق هذا المستوى من الاستثمار للأغراض المحلية.
و كما هو الحال مع أي انتفاضة اجتماعية، فإن عامل قوة الدولة لا يمكن التنبؤ به عند محاولة قياس طول العمر لهذه الحركة كما حال ثورات الربيع العربي. ففي ليبيا، على سبيل المثال، كانت الحركات الضعيفة لشهر شباط / فبراير 2011 مستعدة لإسقاط نظام معمر القذافي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحركة الاجتماعية القوية والمنظمة جداً “الإخوان المسلمين” في مصر تناقصت في وجه الانقلاب المدعوم من الجيش في عام 2013.
إن ما نشهده في إيران الآن لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه غضب معزول، بل هو عمل قيد التقدم، بدأ في عام 1999 وقاده الطلاب الذين انخرطوا لاحقاً في الحركة الخضراء. كما ينضمون حديثاً إلى الاضطرابات الحالية التي تتطور لتشمل فئات اجتماعية جديدة من الناس الذين لم يكونوا محور الاحتجاجات السابقة. وكما قال كارل ماركس ، فإن الاحتجاجات التي تقودها البروليتاريا هي ما يُغير اللعبة.
وعلى الرغم من أن هذا الحراك لم يكن منظماً، كما لم تكن الانتفاضات العربية في عام 2011. إلا أن مطالب المتظاهرين الإيرانيين – المعونات الغذائية والوظائف وانخفاض الأسعار – يمكن تحقيقها بالكامل إذا أعاد النظام تخصيص موارده من الجيش إلى الاقتصاد. وحقيقة أنه من المستبعد جداً أن يفعل النظام ذلك، إلى جانب استياء المتظاهرين، ستؤدي إلى إثارة المزيد من الاحتجاجات في المستقبل القريب التي قد تشكل تحالفاً أكبر بين الطبقة الوسطى والطبقة العاملة. ومن غير المرجح أن تنتظر هذه الحركة الاجتماعية المضطربة عقداً آخر لترفع رأسها.
عذراً التعليقات مغلقة