تعيش محافظة إدلب ظروفاً عصيبة على وقع التقدم السريع الذي أحرزته قوات الأسد ومليشيات إيران الطائفية بغطاء الغارات الوحشية الروسية في ريفها الجنوبي والشرقي، بالتزامن مع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في شمالي شرقي حماة ووصوله لحدود إدلب الإدارية، وتشهد المحافظة أسوء أيامها منذ طرد قوات الأسد منها في العام 2015، حيث تقع المجازر بشكل شبه يومي، وقد نزح مئات الآلاف جراء المعارك، وباتوا مشردين بلا مأوى.
وبالنظر إلى خارطة المعارك تبدو الفصائل وعلى رأسها هيئة تحرير الشام غير جادة في المقاومة، حيث أن السقوط السريع لمساحات برية واسعة يوحي بذلك، وهو ما تؤكده روايات شهود عيان، في المقابل يتحدث آخرون عن تقدم قوات الأسد ومليشياته تحت غطاء ناري كثيف، ويؤكدون صعوبة المقاومة في مساحات شبه صحراوية، لا وجود لخطوط دفاعية فيها، باستثناء مركز ناحية سنجار.
وبالعودة إلى الخرائط المسربة من الجولة السادسة في محادثات أستانة، والتي تم فيها التوافق على تسمية إدلب وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، نقطة خفض التصعيد الرابعة، تبدو المعارك الحالية في الميدان تطبيقاً لتلك التفاهمات، وترسيماً لحدودها، حيث تمتد “المنطقة الأولى” من شرق الخط الحديدي “سكة الحجاز” وهي منطقة نفوذ إيراني، بينما تمتد “المنطقة الثانية” بدءاً من غرب “سكة الحجاز” وحتى أوتوستراد دمشق – حلب الدولي، وتنحصر الفصائل في باقي المحافظة بالإضافة إلى قوات المراقبة التركية قرب الحدود.
وتعتبر هيئة تحرير الشام المفتاح في تطبيق اتفاقيات أستانة، نظراً لما تملكه من انضباط داخل صفوفها مقارنة بباقي الفصائل، وقدرة القيادات على توجيه المقاتلين، وهو ما جعلها الطرف المفضل لدى رعاة محادثات العاصمة الكازاخية، حيث لعبت الهيئة دوراً رئيساً في سقوط تلك المناطق، التي تمددت فيها على حساب فصائل الجيش الحر في السنوات الماضية ضمن سياسة التغلب، بينما لم تفلح شجاعة واستبسال بعض مقاتلي “الحر” وهم من أبناء المنطقة، في الدفاع عنها، نظراً لشراسة القصف واتباع الأسد وحلفائه سياسة الأرض المحروقة، كما جرت العادة.
وفي الوقت الذي تبدو معركة ريف إدلب الشرقي الجنوبي، رغبة إيرانية واضحة، بغية احتلال مطار أبو الظهور وحماية مستعمراتها في ريف حلب الجنوبي؛ تتجلى رغبة روسيا شيئاً فشيئاً باجتياح ريف إدلب الغربي، وصولاً إلى جسر الشغور، وهو ما يعني تعدي الحدود المرسومة في الخرائط المسربة، وتهدف موسكو من هذه المعركة إلى حماية قواعدها في الساحل السوري، وقد بدأت فعلياً تحضيراتها لتلك المعركة، وليست هجمات “حميميم” المجهولة سوى مقدمات لهذا الاجتياح.
هل تشمل المعركة كامل إدلب؟ التفاهمات التي أصبحت واضحة المعالم تقضي بالسيطرة على المواقع الاستراتيجية في المحافظة وتأمين القواعد العسكرية والطريق الدولي، وقد تتعدى رغبة الإيرانيين ذلك بالوصول إلى كفريا والفوعة، لكن؛ قد لا تكتفي إيران وروسيا وربيبهما الأسد بما حصلوا عليه في أستانة، وربما تستمر التحرشات بغية تحصيل وتحقيق المزيد من المكاسب السياسية وابتزاز الغرب في ملف اللاجئين، فإدلب تأوي اليوم نحو ثلاثة ملايين انسان مهجر، وهروب هؤلاء أو عبورهم نحو تركيا، سيضع الأخيرة في موقف حرج، بل أن اجتياح إدلب سيشكل عبئاً ثقيلاً على العالم كله، لا سيما دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدركه الحلفاء جيداً.
ويبقى السؤال عن موقف تركيا إحدى الدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد؛ وموقفها من هذه التطورات؛ والإجابة عن هذا السؤال تبدو غير متوفرة حالياً؛ لكنها لا تسر السوريين بكل حال.
عذراً التعليقات مغلقة