هل جربت أن ترى الموت بعينيك كل يوم ألف مرة ومرة؟؟
هل جربت أن تعيش فقط لتتمنى أن تفارق روحك جسدك كي ترتاح؟؟
هل جربت أن تبكي وتصرخ وتتعب لتنام.. وتستيقظ على سقيع مياه.. ملأت جسدك ووجهك؟؟
إنها سجون نظام الأسد.. التي لا ترحم!!
اعتقلت مع عدد من شباب حيّنا.. حي الصواعق في مدينة حماة، أثناء مظاهرات كنا قد خرجنا بها سلمية بلا سلاح.. بعد حوالي نصف الساعة حاصرنا الأمن من كل جهة، استطاع البعض الفرار.. والبعض استشهد برصاص عناصر أمن وشبيحة الأسد، ونحن كنا ممن قبض علينا عناصر أمن نظام الأسد.
في اليوم الأول جلست في منفردة لا أسمع فيها سوى صوت مياه تقطر.. نقطة.. نقطة.. صوت يتعب النفس.. خاصة في السكون ورعب الصدى.. مرت الساعات كآلام الموت أثناء الإحتضار.
في اليوم الثاني نقلت إلى غرفة التحقيق.. كانت غرفة تثير الاشمئزاز، دماء هنا، وشاب يحتضر هناك، وفي زاوية الغرفة حبال وأسلاك كهرباء منظرها ينشر الرعب والخوف.
علقوني من يدي بحبال مربوطة بسقف الغرفة.. وتركوني حوالي الساعتين، ثم دخل علي رجل ضخم وحمل حبلاً وراح يضربني على ظهري بكل ما أوتي من حقد وقوة.. صرخت.. لكن الصراخ لم ينفع، كان كلما رفعه وهوى به ليضربني به أحس أن ضلوعي تتكسر.. أغمي علي .. وأيقظوني بالماء البارد.. لم يسألوني أي سؤال، فقط يضربون ويصعقون جسدي.. بعد قليل أدخلوا إبن حارتي، رموني في إحدى الزوايا وعلقوه مكاني، وراحوا يضربونه مثلما ضربوني، تمنيت الموت..له ولي، كان يبكي ويصرخ كالطفل الصغير.. علقوني قربه وتركونا كل الليل معلقين نئن من الألم.
في اليوم الثالث أعادوا درس العذاب دون أي سؤال، لم نسمع منهم سوى الكلام البذيء، ولم نشهد سوى الرفس والضرب والتنكيل والتعذيب..لكن في اليوم التالي وعندما جاؤوا ليوقظونا بطريقتهم الهمجية.. ابن حارتي لم يتحرك.. رفسوه وضربوه ولم يتحرك.. مات من الوجع.. كم هو محظوظ!!
بعد شهر كامل من العذاب والضرب والإهانات.. أدخلونا إلى غرف فيها مساجين.. غرف صغيرة وفيها أكثر من قدرتها على الاستيعاب.. كان لكل منا مكان مربع صغير نقف ونجلس.. وننام ونحن جالسين.. عندما احضروا الطعام.. كان عبارة عن قطعة خبز وبعض الماء.. لم أكن أشتهي أن آكل أي شيء.. وكل من حولي يأكل بنهم وكأنهم لم يأكلوا الطعام منذ شهور، وبسرعة تناول الشاب بقربي طعامه لينظر إلي راجياً أن يأكل، فقربت طعامي منه.. وقلت له تناول الطعام هنيئاً لك.
جلسنا أياماً على هذا الحال.. كل أضلعي وجروحي تؤلمني، لكن من كثرة الألم لم أعد أحس.
بعد حوالي الثلاثة أشهر تم الإفراج عني.. خرجت، لكنني كنت ميتاً أسير على الأرض.. قبلوني.. أخوتي وأمي.. لم أكن أخاطب أحداً..
لم أكن أحس بأحد، وأحاطني المرض، وظهر على جسدي كل آثار الضرب… وراحت أمي تبكي وتمسح جسدي المصاب.. وأنا لا أستطيع أن أواسيها أو أشكي لها حالي.
بقي أن أقول: عمري 27 عاماً وكبرت 30 سنة في 3 أشهر داخل معتقلات نظام الأسد العفنة!
- عن قصة حقيقية للشاب (م.م) الذي عاش تجربة اعتقال مريرة في سجون الأسد
Sorry Comments are closed