نور وهناء.. تحتفلان بعيد ميلادهما الأول في السماء

ولاء عساف2 يناير 2018Last Update :
ولاء عساف
(صورة تعبيرية)

أمي.. لماذا تبكين؟

أنا هنا قربك.. ألا ترينني؟

أمييي.. أنا أراكِ.. ما بالك تصرخين؟

لا تحزني.. ألم تعديني ألا نبتعد عن بعضنا أبدا؟

أبي لا تحزن.. سأذهب غدا لأستلم جلائي فأنا الأولى على صفي.. وستحضر لي دمية كبيرة كما وعدتني.

أمي ما بالك تبتعدين.

أنا لم أعد أراكما بوضوح.

أميي.. أبييي

لا تتركاني وحدي.. أنا لم أعد أراكما.

أمييي…
إنه الموت.. الموت بوسائل مخيفة هو ما يعكر صفو حياة كل سوري، كل ذنبنا أننا وجدنا على ثرى الأرض السورية، ونحمل هوية سورية.
نعيش أسرة صغيرة ولكن حبها كبير، أنا وزوجي وابنتاي، طال القصف والدمار معظم منزلنا، لكننا لم نستسلم ونتركه بل رحنا نصلح ما تم تدميره، ونعيد بناءه من جديد ببعض المال الذي كنا قد ادخرناه ليوم مثل هذا، أصلحنا النوافذ والأبواب ورممنا الجدران المتصدعة.
بعد فترة قصيرة افتتحت المدارس فسجلنا الفتيات الصغيرات نور وهناء في المدرسة في الصف الأول والثاني، كانت نور وهي الصغيرة مجتهدة جداً ومشاغبة أيضاً، كانت كلما حصلت على علامة تامة جاءت لحضن والدها تطلب منه مبلغاً صغيراً من المال أو لعبة ما فيذهب والدها بكل ودّ ويشتري لها ولأختها بعض الألعاب رخيصة الثمن ولكنها تحمل الكثير من الحب والحنان، كان زوجي يعمل كإعلامي ميداني، يخرج في المعارك ليصور الأحداث، ولم يكن صاحب دخل كبير.

في أحد الأيام وقبل أن يتم الاعلان عن النتائج، جلسنا جميعاً على مائدة الطعام. قال زوجي للفتيات لنرى غداً من ستكون الأولى على مدرستها، سأحضر لها هدية كبيرة.

قالت نور: فلتذهب وتحضرها منذ الآن.. فأنا متأكدة من تفوقي، ضحكنا جميعاً سعداء بنباهتها وذكائها. لبست نور واختها هناء الثياب المرتبة والجديدة وذهبتا إلى المدرسة لمعرفة النتائج.

بعد حوالي الساعة كان زوجي قادماً من عمله وكنت أجهز الغداء، طعام نور وهناء المفضل ريثما تعودان ونتناول الطعام معاً، ونحتفل بعدها بنجاحهما.

فجأة سمعنا صوت الطائرة.. بات قريباً جداً.. كان الصوت حاداً وقاسياً، صاروخ اهتزت له أركان المنطقة.

خرجنا إلى الحي، الناس تهرع فزعاً والكل يصرخ: أولادي.

لم أكن أستوعب ما يحدث للوهلة الأولى، لكن زوجي أمسكني من يدي وراح راكضاً بي يصرخ؛ الفتيات في المدرسة، رحنا نركض مع الناس.. أركض وقلبي ملؤه الفزع.. دموعي تغرق وجهي وقلبي يرتجف من الخوف.

وصلنا هناك، كانت الأشلاء متناثرة في كل مكان، استشهد كل من كان بالمدرسة إلا عدة أطفال كانوا لم يصلوا بعد.

رحت أراقب الدماء من حولي، لست أدري هل أنا في حلم أم حقيقة، يد هنا ورأس هناك، ولون أحمر كان قد غطى جدران وأرض المدرسة.

جاء زوجي نحوي يبكي، يداه ووجهه تغطيهم الدماء، راح يبكي كالأطفال ويصرخ: سوار هناء.. إنه سوار هناء ملطخ بالدم، ربما تكون على قيد الحياة.. راح يهز رأسه مستسلماً موجوعاً، يبحث عن شيء يعلم أنه لن يجده.
جلست على الأرض، لم أعد أقوى على الحركة.. ودموعي تحرق عيناي من ملوحتها، لم أتخيل يوماً أن أعيش بلا تلك الضحكات البريئة والزهور التي ملأت علينا حياتنا، شعرت في تلك اللحظات أن الحياة تافهة ورخيصة، أمهات تبكي وتندب، ورجال يحاولون البحث عن أنفاس في جثث تناثرت، يبحثون عن أعضاء أبنائهم التي اختلطت، وأنا اراقب كل ما يحدث وأبكي متمنية الموت لروحي بدل فتاتيّ الصغيرتين.

ماتت نور وهناء يا عزيزي، صغيرتيّ هناء اللطيفة ونور المشاغبة لم يقدر لهما أن تحتفلا بنجاحهما الأول على الأرض، ذهبتا لتحتفلان بنجاحهما وتفوقهما في السماء، كلّ ذنبهما أن ولدتا في زمن الدماء والموت السوري، لنا الله يا عزيزي، لنا ولهم الله.

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل