لم يكن اختيار سوشي أو سوتشي عبثياً ففي غمرة المؤتمرات الباحثة عن الحل السوري لا يعدو المؤتمر سوى رقماً قد يكون في بدايته مقارنة مع جنيف 8 وأستانة 6 وغيرها من المؤتمرات …
هذا في الظاهر، لكن في التفاصيل؛ فمؤتمر سوتشي سيكون مختلفاً عما سبقه لعدة أسباب:
تأتي خصوصية سوتشي بداية كونه مؤتمر للقوى التي ترى نفسها منتصرة في الحرب السورية، وبالتالي؛ تملك حرية القرار وقوة التنفيذ، ولا يدعي أي طرف من رعاته الحيادية أو الرؤية الشاملة للحل، فهي لا تبحث عن حل منصف بقدر ما تبحث عن فرض رؤيتها للحل.
فالروس الذين يمسكون بأطراف اللعبة السورية بقوة ويعتبرون أنفسهم المنتصرين وأن من حقهم السير قدماً في التسوية، يدركون أن الحل السوري على طريقتهم يحتاج لشركاء تقاسموا معهم الحرب، لذلك كان لابد من وجود الأتراك والإيرانيين على طاولة سوتشي، الإيرانيين كونهم الشريك الفاعل مع النظام الداعم للروس ويملكون القدرة على فرض الحل على نظام الأسد، وبذات الوقت يملكون القدرة على تعطيل أي حل لا يرضي مصالحهم، على الطرف الآخر هناك الأتراك الذين يملكون قوة التأثير على أطراف كثيرة من المعارضة وبذات الوقت لهم وجود واضح على الأرض ويلتقون مع الروس في مواضيع كثيرة، فيما يختلفون مع الإيرانيين بما يخص مصير بشار الأسد.
ما هي الرؤية الروسية لسوتشي وما هي خطوات تطبيقها؟
يرى الروس أنه لا بديل عن بقاء سورية دولة واحدة غير مفتتة أو مجزأة وذلك ضماناً لمصالحهم السياسية والجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، لكنهم بذات الوقت يدركون أنه لابد من تغيير ما على الأرض بحيث لا تعود سوريا لما كانت عليه قبل 2011 لأنهم يدركون استحالة ذلك.
الروس أيضاً مقتنعون بعدم صلاحية بشار الأسد للسيطرة على سوريا كدولة واحدة، وأن وجوده عبء عليهم وأن إزاحته أفضل من بقاءه، لكنهم بذات الوقت لا يريدون التضحية به مجاناً، إنما يبحثون عن ذلك ضمن صفقة تضمن لهم مصالحهم وتشرعن وجودهم بشكل دولي واضح، وهو ما يجعلهم ممتعضين من عدم الدعم الدولي لمؤتمر سوتشي وأدى لتضارب التصريحات المتعلقة بالإشراف الدولي على المؤتمر.
الحل الروسي في سوتشي حسب الرؤية السياسية له يتضمن حلاً شبيهاً بالطائف اللبناني، يعتمد على المحاصصة السياسية والاجتماعية والإثنية وهو ما يبدو واضحاً بطبيعة الدعوات التي وجهت والتي اعتمدت على التمثيل الإثني والمجتمعي وليس السياسي.
وبالتالي سيكون الحل بتقاسم واضح للسلطات بين الطوائف السياسية والإثنية مع ضمان تمثيل للفعاليات الإجتماعية بحثاً عن تحقيق الاستقرار والسلم الأهلي، هذا الحل يعتمد على دستور ينقل الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الجكومة والقوى المحلية المعتمدة على المجالس المحلية المشكلة على أساس اجتماعي وتملك قوة مؤثرة، وبالتالي تقليص نفوذ بشار الأسد تمهيداً لإزاحته عن الواجهة والإتيان بشخص آخر يحظى بدعم روسي وقبول إيراني وتركي وعدم اعتراض خليجي، ومن ثم ينتقل الحل سياسياً وخلال فترة تصل لـ 3 أعوام تنتهي بموجبها فترة حكم الأسد، وهو ما يرفع الحرج عن الروس والإيرانيين وبذات الوقت يشعر الأتراك والخليجيون والمصريون بالرضا من عدم تهميشهم بما يخص الحل السوري.
موقف الأطراف السورية من هذا المؤتمر تحدده القوى الدولية والإقليمية الداعمة لها
فالنظام السوري وبسبب سيطرة الروس والإيرانيين على قراره السياسي بات مجبراً على قبول مخرجات الحل مهما كانت، وكل ما باستطاعته هو المناورة وتحسين شروط بقاء بشار الأسد حتى نهاية فترته وتقديم تنازلات جديدة في المجال الإقتصادي.
أما المعارضة السورية التي ترفض الذهاب لسوتشي وترى فيه تقديم تنازلات -قدمت كثيراً منها في جنيف وأستانة- لا تملك الكثير من الأوراق سوى رفض الذهاب بصور فردية كانت أو جماعية، وبذلك تخسر بعض الدعم الذي كانت تحصل عليه من تركيا وبعض دول الخليج ومصر.
الذاهبون إلى سوتشي وهم الطرف الأهم في المعادلة السورية بما يخص المؤتمر هم من تم انتقاؤهم بعناية من قبل الروس، وهم في معظمهم من فئة أطلق عليها السوريون الفئة الرمادية وهي الفئة التي كانت تنتظر انتصار أحد الطرفين لتشاركه الانتصار، لكنها وعند استعصاء الحل باتت تبحث عن أي حل يضمن وجودها في المشهد السوري، وهم في الغالب أحزاب سياسية لا تحظى بأي دعم شعبي وسياسيون مغامرون يبحثون عن وجود في السلطة تحت أي مسمى وتجار ومنتفعون وشيوخ عشائر ودين، أحسوا بأن الثورة إن انتصرت وحققت أهدافها فإنها ستسحب الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها في فترات سابقة قبل 2011، وبالتالي رأوا في الدعوة للمؤتمر فرصة إعادة اعتبار لهم وإعادتهم لواجهة الأحداث وهو ربما يشفي تعطشهم للسلطة وبذات الوقت ربما يجعل الفرصة سانحة لهم للثأر ممن همش دورهم وأبعدهم عن المشهد المحلي.
مما سبق يبدو أن عوائق تحقيق المؤتمر لأهدافه أكثر بكثير من عوامل نجاحه، فإذا اعتبرنا الوجود الروسي والإيراني والتركي عوامل نجاح، فإن الرفض الأمريكي سيكون أحد أبرز عوامل الفشل إذا ما أضيف إليه التحفظ الدولي وعدم التوافق الإيراني التركي حول مصير الأسد، وإذا اعتبر التنوع العرقي والإثني والاجتماعي ميزة لحضور المؤتمر، فإن عدم قدرة هؤلاء على التأثير في الشارع والحاضنة الشعبية خاصة في المناطق التي شهدت انتفاضة وثورة بوجه النظام بل ورفضهم من قبلها رغم رهانهم على إرهاقها وتعبها والذي إن وجد فسيكون مؤقتاً هو أيضاً عامل فشل إضافة لرفض الدور الروسي والإيراني من قبل الشارع الثوري.
جميع المؤشرات تدل على فشل مؤتمر سوتشي في تحقيق أهدافه ما لم يحدث تغيير ما في الربع ساعة الأخيرة والتي يكون للسياسيين كلمتهم فيها وبالتالي يحدث تغيير في أهداف المؤتمر قد تؤدي للحصول على دعم دولي قد ينقذه من السقوط.
عذراً التعليقات مغلقة