شاعت في العقد الأخير من القرن العشرين أربعة مفاهيم، كانت العناوين العريضة لمرحلة مابعد سقوط الاتحاد السوفيتي والأنظمة الاشتراكية شرقي أوروبا.
وهذه المفاهيم هي: النظام العالمي الجديد، والعولمة الاقتصادية الجديدة، ونهاية التاريخ وصراع الحضارات، والاسلام فوبيا كظاهرة نجمت عن ما يسمى صراع أو صدام الحضارات.
ويعني مصطلح “الاسلام فوبيا”: عقدة الخوف من الإسلام، ويشير إلى حالة العداء الغربي للعالم الاسلامي، ويصور إعلامياً الإسلامَ كدينٍ بربريّ متوحش، حيث تحمل هذه النظرة آثار تفكير القرون الوسطى، وتعيدُ ذكريات الحروب الصليبية والمواجهة المباشرة بين عالم الاسلام والعالم الغربي، وتشي بأزمة ثقة بالاسلام عقيدةً وسلوكاً وأيديولوجيا من قطاعات عريضة في المجتمع الغربي.
ولقد كان من مـخرجات مصطلح الإسلام فوببا بروز مصطلح آخرهو sterotyp الستيريوتايب، وتعني الصورة النمطية السائدة، ويُقصد به تشويه صورة الشخصيپة العربية الاسلامية بتجريدها من مضامينها الانسانية وإلصاق صفة الارهاب والتوحش بها. وهذا برأيي من أبشع صور الارهاب.
ومن الجدير ذكره أنّ هذه الحالة الجمعية ( الخوف من الاسلام) لدى الغرب قد أخذت مساراً واسعاً، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام2001، فتوحدت أصابع الاتهام الغربي صوب العالم الاسلامي والعربي، وأصبحَ يُنظرُ للمسلم كإرهابيّ وعدوٍّ أينما حلَّ.
وبما أنه لكل حدث مسبب، فإنه بالإمكان أن نعزو سبب هذه الظاهرة وفق معظم الباحثين في هذا الشأن إلى عدة عوامل:
حيث يبدو الماضي الملطخ بالدماء بين المسلمين والغرب من أهم هذه العوامل، بدءً بالفتوحات الاسلامية بحروب المسلمين مع الروم والفرس وفتح الأندلس والحروب الصليبيةوغيرها، وقد برز الخوف من الاسلام آنذاك بنشر بذور الدعوة في الأوساط الغربية، وبالتالي كانت هذه الحروب بمثابة تهديدٍ للآخر ونموه. وبالتالي نجم عن ذلك خشية الغرب من الاقتراب من المسلمين والتعرف عليهم.
ويأتي الجهل بالآخر ( الاسلام) ليعززَ من وجود ظاهرة أو عقدة الخوف من الاسلام، فعدم الاختلاط والنرجسية الغربية الكبيرة أو لنقل نظرة التفوّق الغربي على الآخرين كانت من أسباب تقوقعهم على الذات، ومما ساعد على جهل الغرب بالاسلام والمسلمين عمليات التشويه غير البريئة عبر وسائل الإعلام الغربية، ومن خلال المستشرقين، حيث أظهروا الاسلام والمسلمين بصورة نمطية مشوهة وغير صادقة.
ومما يُفاقمُ من ظاهرة الاسلام فوبيا أيضاً تناقض المصالح بين العالم الاسلامي والغربي وتعارضها، فبينما جاء الاسلام بمبادئ وتعاليم سماوية تنادي بالسلام، والعدل، والمساواة وترفض الظلم، وأن الأموال والثروات والأرض لله، وأن الانسان مستخلفٌ عليها ليقوم بعمارتها، نرى أن الغرب عبر الاستعمار الأوروبي للمنطقة العربية جاءَ للسيطرة، واستغلالها لمصلحته فقط.
ولاريبَ أن أكثر مايشعل هذا التعارض بين الطرفين هو إرادة الغرب بفرض النموذج الغربي للعيش والتفكير على العالم بأكمله، وكذلك القضية الفلسطينية وانحياز الولايات المتحدة الأمريكية الكامل لمصلحة اسرائيل، وإلصاق صفة الإرهاب والتطرف بالمقاومة المشروعة للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وتغطية الولايات المتحدة لجرائم ومجازر الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني.
وإزاء كل تلك الأسباب المذكورة لنشوء ظاهرة، “الاسلاموفوبيا” والتي نجمت كما أسلفنا عن ما يسمى صراع الحضارات ،بات هذا المفهوم مسوّغاً أيديولوجياً ومظلّةً للولايات المتحدة وحلفائها لشنِّ حروبٍ عنصريةٍ صليبية على الاسلام والمسلمين تحت شعار محاربة الارهاب في العالم، الذي عبّر عنه الرئيس الأمريكي بوش الإبن بقوله : من ليس معنا، فهو ضدنا.
وحين اندلعت ثورات الربيع العربي في العام 2011 ضد أنظمة القمع والاستبداد تلقفت الأنظمة المستبدة ذلك التوجه العالمي لمحاربة الارهاب، واتهمت الشعوب الثائرة بصفة الارهاب، وذلك تماشياً مع وجهة النظر الغربية والأمريكية ليظهروا أمام الغرب والعالم أنهم يواجهون إرهاباً وليس ثورات شعبية، وبالتالي ليكسبوا تأييد الغرب.
والمتتبع لخطاب الأنظمة التي هبّت الثورات بوجهها يراها كلها مشتركةً في وسمِ الثائرين بالارهابيبن (تونس ،مصر، اليمن، سورية) .. لابل أنه في سورية كانت اللعبة أمكرُ وأفدحُ خطراً ونتائجاً من خلال سعي النظام السوري إلى عسكرة الثورة، وخلقه بالتوافق مع حلفائه لتنظيم داعش الارهابي المسلم طبعاً، فنجح كثيراً في لعبته بحرف أنظار العالم عن الثورة الشعبية السورية، ليظهر كمن يواجه حركات إرهابية لدرجة أن هذا النظام كسب اصطفاف كل الدول الكبرى في تشكيل ماسميَ بالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، متعامينَ بذلك عن إرهاب الدولة الممنهج الذي يمارسه النظام السوري عبر جيشه وأجهزة أمنه ودعم الميليشيات الطائفية العراقية والايرانية وحزب الله اللبناني، فضلاً عن الاجرام الروسي عبر سلاح جوه المتطور بحق الشعب السوري، وجرائم النظام بالسلاح الكيماوي والتغيير الديموغرافي الممنهج للمدن والحواضر السورية.
إنّ هذه الأحداث تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الشمال والجنوب، وإلى المزيد من الغموض والفوضى في العلاقات الدولية، ومن الضروري تفادي حتمية الصدام بين الطرفين ومن ثم علاج ظاهرة الاسلاموفوبيا المباشرةُ بحوار جاد عربي غربي يقوم على الاعتراف بالآخر المختلف، واحترام فكره وحرية رأيه ومعتقده وخصوصيته، يكون الهدف منه تحقيق عالمٍ خالٍ من الخوف من الآخر ومن الحروب والتعصب والتطرف، عالم متنوع يسعى لسلام وتقدم الانسانية كلها.
فما عاد مقبولاً أن نذرَ مصير كوكبنا لأيدي مغامري وتجار الحروب وأغرار السياسة.
عذراً التعليقات مغلقة