هل زال خطر “دولة الخلافة” بعد سقوطها؟

فريق التحرير25 نوفمبر 2017آخر تحديث :
أظهر تنظيم الدولة الإسلامية في الماضي أنه عدو مرن وقادر على التكيف – عدسة سوزانا جورج – AP

ترجمة اسراء الرفاعي – حرية برس:

إن سقوط مدينة “البوكمال” في سوريا بالإضافة إلى الانتصارات الأخيرة التي حققتها قوات الأمن العراقية في “القائم” و “رواة” تشير إلى سقوط دولة الخلافة الإسلامية. وقد أدى فقدان هذه المدن الواقعة على الحدود السورية – العراقية إلى خسارة الجماعة الإرهابية سيطرتها على أي مركز سكاني في البلدين، مما يمثل انقلاباً كبيراً للدولة الإسلامية بالنظر إلى أيام قوتها في السنوات الثلاث الأخيرة عندما كانت تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي، وتنتزع الضرائب بشكل روتيني من الشركات المحلية، وتستغل الموارد الطبيعية في المنطقة ولاسيما النفط، بالإضافة إلى بسط حكمها على نسبة كبيرة من سكان البلدين. و لحسن الحظ فقد ولّت هذه الأيام، وبات هذا التغيّر حدثاً يستحق الاحتفال.

ولكن هل هذه نكسة دائمة للدولة الإسلامية، أم أن هناك جزءاً آخر لحكايتها؟

لسوء الحظ .. فقد أظهر تنظيم الدولة الإسلامية في الماضي أنه عدو مرن وقادر على التكيف، ومن المؤكد أنه لن يذهب بهدوء إلى الزوال. وبدلاً من ذلك ، فإنه سيعمل بإصرار كبير في الأشهر القادمة للإبقاء على حياة التنظيم ، وعلى الأرجح أن تعتمد مجموعة من الإجراءات للقيام بذلك.

أولاً: سيحاول العديد من المحاربين القدامى المتمرسين في القتال التراجع إلى المناطق النائية في غرب العراق وشرق سوريا، منتظرين بصبر لتحديد فيما إذا كانت الحكومات جادة في إعادة إعمار المناطق المحررة حديثاً. وخلال هذا الوقت سيهاجم هولاء المقاتلون على الارجح القوات الحكومية والمراكز الحضرية، مرسلين بذلك تذكيراً للسكان المحليين بأن الدولة الإسلامية لاتزال ناشطة من حيث تنفيذ العمليات.

ثانياً: لا تزال الدولة الإسلامية تملك بعض السيطرة في ثمانية فروع وشبكات عالمية، ومن المرجح أن يبذل التنظيم كل جهد ممكن لتعميق الاتصال العملياتي عبر التنظيم الدولي. ويبدو التنظيم في الوقت الراهن مهتماً بشكل خاص بإعادة خلق وجود له في وسط وجنوب ليبيا، وتوسيع نشاطاته في جنوب شرق آسيا. ومن المرجح أيضاً أن يعود العديد من مقاتلي الدولة الإسلامية إلى بلدانهم الأصلية، مع أن بعضهم على الأقل قرر مواصلة القتال.

وأخيراً : ستحاول الدولة الإسلامية تعديل خطابها العام، مستخدمة كل منصة متاحة لتعزيز رسائلها الجوهرية: أن المعركة مستمرة على الرغم من سقوط الخلافة، وأنه ينبغي على المتعاطفين معهم شن هجمات قوية على الغرب مشابهة لتلك التي حصلت في نهاية الشهر الماضي في مانهاتن.

إذاً هذه هي خطتهم، فما الذي ينبغي علينا فعله رداً على ذلك؟

يتعيّن على صناع السياسات لمواجهة قواعد اللعبة التي رسمها تنظيم الدولة الإسلامية أن يعملوا ضد التحديات القريبة والبعيدة الأجل التي يشكلها التنظيم في الوقت القريب. هناك عدة سياسات تستحق النظر فيها ، بما في ذلك زيادة الدعم لجهود إعادة الإعمار في العراق وأجزاء من شرق سوريا، ولاسيما من خلال التدابير الرامية إلى تمكين السكان المحليين من الطائفة السنيّة، وتهدئة مخاوفهم من السلطة السياسية الشيعية. وأن نتعلم درساً من الهجوم المتطرف الذي حصل في مدينة نيويورك، ثم اتخاذ تدابير مضادة، وتعميق تبادل المعلومات بين قواتنا الاستخباراتية، وفرض القانون وتفعيل دور الشرطة المحلية، بالإضافة إلى توسيع التعاون مع الدول الشريكة أثناء مواجهتها للعودة الوشيكة للمقاتلين الأجانب ذوي الخبرة العالية.

ومع ذلك، وبعد أن عملتُ على قضايا مكافحة الإرهاب في المناصب الحكومية العليا على مدى السنوات القليلة الماضية، فأنا على اقتناع أيضاً بأن هذه الأنواع من الاستجابات قصيرة الأجل غير كافية، إذا كنا نأمل في تقويض توقعات الدولة الإسلامية على المدى الطويل.

لتحقيق هذا الهدف، سيتعيّن على صُنّاع السياسات الغربيين و الولايات المتحدة البدء بالتقليل من الظروف الأساسية التي غذّت نمو الدولة الإسلامية. ولحسن الحظ فقد تكون الفرصة متاحة للملكة السعودية لتقديم نفسها كمثال عن ذلك. حيث بدأ ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” بتطبيق خطة إصلاح طموحة لإعادة تشكيل المجتمع السعودي، والأهم من ذلك، لتعزيز نسخة أكثر اعتدالاً من الإسلام السعودي. إن جهود الإصلاح الحقيقية في المملكة – و لا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه الجهود حقيقية أو مجرد تجميل – إلى جانب الالتزام الملموس بعدم تصدير النموذج السعودية الذي يمثل الإسلام السني الوهابي، من شأنها أن تساعد بشكل كبير في منع التطرف على الصعيد العالمي وتقليص تجمع المجندين المحتملين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية. إن الهدف المعلن لمبادرة الإصلاح السعودي لم يسبق له مثيل، وهو مشروع جدير بفحص واشنطن الدقيق، والتشجيع إذا كان الأمر يستحق ذلك.

وبالمثل ،فإنه للتقليل من الجانب التاريخي الذي تعتمده الدولة الاسلامية لتحفيز السنة يتوجب على الولايات المتحدة والغرب أن يبحثا عن طرق لدعم التيار الوسطي الإيراني حتى لو كان ذلك على حساب المفاوضات النووية المريرة. في الوقت الذي من الجلي فيه أن واشنطن تحتاج إلى ردع النشاطات الإيرانية الخبيثة في المنطقة، فإن ولاية الرئيس “حسن روحاني” (أُعيد انتخابه بأغلبية ساحقة في مايو/أيار الماضي) تقدم الأمل الأكبر لإضعاف العناصر المتشددة داخل البلاد، وخاصة الحرس الثوري وفيلق القدس ، وهي الوحدات المسؤولة عن العمليات العسكرية العدوانية الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وبحسب ما أخبرني خبير إقليمي في احدى المرات، فهنالك ثلاث فئات من الجهات الفاعلة السياسية في إيران: معتدلة، محافظة، ومتطرفة. ونحن بحاجة إلى أن ندعم بذكاء الفئات المعتدلة والمحافظة حتى نتمكن من مواجهة المتطرفة.

إن سياسات الولايات المتحدة التي تضعف “روحاني” بشكل غير مقصود وتدعم المتشددين الإيرانيين تتناسب تماماً مع خطاب الدولة الإسلامية الذي تستخدمه لجذب المجندين ، حيث أن الخلافة تمثل حصناً ضد حركة الشيعة التوسعية التي تقودها إيران. وهو الخطاب المستخدم كرسالة تم توجيهها من الدولة الاسلامية خصيصاً للأفراد من الطائفة السنية المعترضين على التوسع الشيعي اللذي تقوم به ايران، هؤلاء الافراد المعزولين وغير المؤهلين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.، لذلك فإن مواجهة الدولة الإسلامية في ساحة المعركة أمر ضروري، كما أن تمكين المعتدلين في جميع أنحاء العالم الإسلامي أمر بالغ الأهمية أيضاً.

وأخيراً ، فإنه للتأكد من تلاشي نفوذ الدولة الإسلامية على المدى الطويل ، فإنه ينبغي على الدبلوماسيين الغربيين أن يوجهوا جهودهم الدبلوماسية لحل النزاعات (أو تخفيفها على الأقل) في عدد قليل من البلدان المتأزمة، ولاسيما ليبيا واليمن. لقد استغل تنظيم الدولة الإسلامية عدم الاستقرار العميق في هذه البلدان لتوسيع نفوذها، وكسب الأراضي الرئيسية، وتنفيذ العمليات. وبالتالي، فإن التقدم يتمحور في الحد من العنف، وتحسين الظروف الإنسانية، وتعزيز الإدارة المركزية، مما سيساعد حتماً على تقليص مساحة تنفيذ العمليات.

المصدر مجلة فورجن بوليسي
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل