ترجمة: رانيا محمود – حرية برس:
اعتبر المجلس الأطلسي في دراسة حول مستقبل هيئة تحرير الشام والتحديات التي تواجهها بعد التدخل التركي في محافظة إدلب؛ أن التدخل التركي كان جيداً لحد الآن في إدلب، بدعم من تنسيق ضعيف مع هيئة تحرير الشام، مع تقدم الكتائب التركية إلى المحافظة وغرب حلب المجاورة. وقال إن ذلك يمثل مرحلة محددة من التحولات المختلفة لجبهة النصرة وهي القاعدة السابقة لتنظيم القاعدة التي تشكل العمود الفقري لهيئة تحرير الشام وسيكون للتدخل تأثير كبير على مستقبل الهيئة حيث يواجه زعيمها “أبو محمد الجولاني” تحدياً أكبر بكثير مما كان عليه عندما أعلن قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة وغيّر اسم النصرة إلى هيئة تحرير الشام، مما يخلق الانقسام الأكبر داخل المجموعة منذ إعلانه عدم الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وقالت الدراسة أن مجموعات مختلفة انضمت إلى جبهة النصرة في عدة مراحل، بما في ذلك مقاتلي القاعدة والجهاديين الجدد، فضلاً عن المقاتلين المحليين الذين لا يملكون أيديولوجية معينة، والمجموعات التي تسعى للسلطة أو النفوذ بكل بساطة على الرغم من خطابها الأيديولوجي المتصلب.
واعتبرت الدراسة أن الجولاني قد نجح إلى الآن في الحفاظ على تنظيمه في ظل التحولات الكبرى، حيث حولها من جماعة جهادية صغيرة غير معروفة إلى أكبر امتياز للقاعدة في العالم، ثم إلى أرضية تحالف يضم فصائل محلية، مبتعداً عن الخطاب الجهادي العالمي، ومظهراً الاعتدال باستخدام لغة الثورة السورية أثناء سعيه في الوقت نفسه إلى الشرعية الدولية.
وأشارت إلى أنه ليس هناك شك في أن الجولاني قد فقد أقسام من رتبة تنظيمه وقيادته خلال كل هذه التحولات ومع كل تحرك بعيداً عن الجهادية، التي كانت على ما يبدو لأسباب براغماتية أكثر من الأيديولوجية. وقد واجه اتهامات بالتراجع عن المبادئ الجهادية الأساسية، والتحرك نحو الإطار القطري، فضلاً عن التعاون مع الفصائل العلمانية، واستخدام اللغة الثورية، وتبنّي الخطاب “المعتدل” تجاه القوى الخارجية. و قد وُجهت الاتهامات نفسها إلى فصائل الجيش السوري الحر وحركة أحرار الشام، مما يضع مصداقيتها الأيديولوجية في خطر ويضعف قدرتها على التجنيد والتحرك ضد أعدائها.
وقالت أنه نتيجة لذلك، فقد انشقّ عدد من الجهاديين الأردنيين الرئيسيين بعد انشقاق النصرة عن تنظيم القاعدة في يوليو/تموز 2016، وكان أبرزهم : سامي العريدي وقسام العردوني وإياد الطوباسي (أبو جُليبيب) والقائد العسكري السابق للمجموعة أبو حمام السوري. ومن المحتمل أن يعلن هؤلاء الجهاديون الأردنيون تشكيل فرع للقاعدة في سوريا.
واعتبرت أنه على الرغم من إظهار هيئة تحرير الشام للاعتدال في خطابها للعالم الخارجي، إلا أنها تمسكت بسياستها المتطرفة تجاه المنافسين المحليين. وقد ترك العديد من أعضاء الفصائل المعتدلة الهيئة بسبب الخلافات التي تراكمت مع مرور الوقت، وخصوصاً الفصيل الذي يقوده الداعية السعودي عبد الله المحيسني. وفي الوقت نفسه، بقي بعضهم على الحياد منذ معركة المعركة ضد أحرار الشام، مثل الجناح السعودي للمقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى أقسام كبيرة من هيئة تحرير الشام التي لم تكن طرفاً في القتال المحلي.
وأشارت إلى أن الجولاني واجه عدداً من التحديات بعد بسط سيطرته على معظم إدلب في أعقاب الانهيار السريع لحركة أحرار الشام في يوليو/تموز 2017. حيث منحت قمة أستانا غطاء للقوات التركية لدخول إدلب، بينما هددت روسيا وإيران بغزو ريف حلب الجنوبي. وفي الوقت نفسه، دخل تنظيم “داعش” منطقة الرهجان في محافظة حماة. وقد انتشرت شائعات عن إنشاء جناح جديد للقاعدة في سوريا، وعن وجود حمزة بن لادن، ابن أسامة زعيم تنظيم القاعدة في البلاد والذي يمتلك القدرة على تغيير المشهد العسكري.
وأضافت أنه وعلاوة على ذلك، رفض أيمن الظواهري، رئيس تنظيم القاعدة، في آخر تسجيل صوتي له بعنوان “سنقاتلكم لمنع الخلاف”، تغيير الجولاني لتوجهه، وأشار إلى إن التخلي عن ولائه للقاعدة أمر غير مقبول. وقال الظواهري إن تنظيمه سيواصل العمل في سوريا، معتمداً على المنشقين من جبهة النصرة، وخاصة الفصيل الأردني وغيرهم من المنشقين الذين قد ينضمون إليهم. وزعم أيضاً أن عدداً أكبر من المقاتلين سوف ينشق عن هيئة تحرير الشام.
وأوضحت أنه من المفارقات أن الجولاني في معركته ضد الفصائل المعارضة الأخرى قد وظف بعضاً من أكثر قاداته المتشددين، وكان من أبرزهم قائد جيش النصرة أبو حسين العردوني وعلماء الدين المصريين مثل أبو الفاتح وأبو اليقظان وأبو شعيب، فضلاً عن عالم القانون الإسلامي العام عبد الرحيم عطون، ومجموعة جند الأقصى. ورأوا أن محاربة الفصائل الأخرى مسوغة لأن الأخيرة حضرت محادثات أستانا ونسقت مع تركيا خلال توغلها. ومع ذلك، وجدوا بعد ذلك أن هيئة تحرير الشام قد رافقت القوات “العلمانية” و “المرتدة” التركية وكانت في مواجهة مع احتمال وجود معادلة سياسية إقليمية ودولية من شأنها أن تهمشهم كجهاديين غير سوريين بمجرد دخول تركيا إلى إدلب.
واعتبرت أن التدخل التركي والنزاعات الداخلية في هيئة تحرير الشام قد أدى إلى مفاقمة المشاكل بين الفصيل البراغماتي (الذي يفضل عدم المواجهة مع تركيا وإيجاد وسيلة للحفاظ على وجوده) والفصيل الأيديولوجي الذي يرى أن التعاون مع تركيا يشكل انتهاكاً للإسلام، ويعتقد أن تركيا تخطط إلى القضاء عليه في نهاية المطاف. ومن الممكن أن تنشق أي جماعة معارضة محلية ممن انضموا إلى هيئة تحرير الشام لتفادي القتال معها، وتنضم إلى أي فصيل يمكنه حمايتها. وفي حين أن هيئة تحرير الشام قد حافظت على مظهرها المتماسك حتى الآن، إلا أن النزاع يمكن أن يدفع الجولاني قريباً لشن هجوم في ريف إدلب يستهدف في المقام الأول فصيل سامي العريدي وحلفاءه من الفصيل المدافع أيديولوجياً داخل الهيئة.
وأشارت إلى أن ذلك قد دفع مجموعة من المفكرين السلفيين الجهاديين، أبرزهم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني إلى إطلاق مبادرة تهدف إلى المصالحة بين المقاتلين الجهاديين في محاولة لتجنب الصراع واستعادة دورهم كنقاط مرجعية، الذي تلاشى مع انهيار التنظيمات الجهادية القديمة. وتوجد فرصة ضئيلة بأن تحل هذه المبادرة الوضع أو أن تسفر عن رد إيجابي من قبل الجولاني الذي يحاول التخلص من العبء الذي يفرضه الجهاديون السلفيون.
وقالت أنه يمكن للجولاني تحقيق المزيد من التماسك داخل تنظيمه من خلال التخلص من التهديد الأكبر المتمثل بالأعضاء السابقين المنشقين. كما بإمكانه أن يثبت بأنه يقاتل القاعدة والمتطرفين، ولكن ذلك سيكلفه خسارة جيش النصرة وهو أهم قوة لديه، ومن شأنه أيضاً أن يمزق هيئة تحرير الشام من الداخل.
وخلصت إلى أن التحدي الذي يواجه هيئة تحرير الشام للحفاظ على وجودها لا يقتصر على الانقسامات الداخلية ولكن يتعلق أيضاً بطبيعة الخطط التركية لشمال سوريا. وقد اختار الجولاني تجنب المواجهة مع تركيا لأن نتيجة المعركة كانت في صالح أنقرة، ولاسيما في ظل انهيار داعش. وبدلاً من ذلك فقد اختار أن يحكم قبضته على إدلب والمنطقة الحدودية وذلك في سبيل التوصل إلى إلى تفاهم مباشر مع الأتراك. و قد دخلت القوات التركية إلى سوريا دون قتال بموجب هذه الصفقة، ولم تشارك قوات الجيش الحر المنضوية في درع الفرات في هذا الهجوم.
وأشارت إلى أن هذا كان شرطاً وضعته هيئة تحرير الشام وطالبت به فصائل أخرى في إدلب مثل فيلق الشام، أحرار الشام، حركة نور الدين الزنكي، وذلك لتنجب الاشتباك مع الهيئة. ولكن هيئة تحرير الشام هاجمت في وقت لاحق تلك الجماعات نفسها بعد التدخل التركي وذلك من أجل إظهار أنها لا تزال في موضع مُسيطر وقادرة على شن هجمات.
وقالت أن تركيا استخدمت قضية عفرين ووجود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لتبرير عملياتها في إدلب في سياق تداعيات استفتاء الاستقلال الكردي العراقي وجهود أنقرة للحد من الاستقلال الكردي في سوريا. كما تريد تنفيذ اتفاق أستانا 6 الذي يسمح لتركيا بإرسال قوات استطلاع إلى سوريا. وقد أجرت تركيا وروسيا مفاوضات حول مستقبل تل رفعت والقرى العربية المحيطة التي استولت عليها قوات سوريا ديمقراطية قبل عامين، وعلى إمكانية فتح الطريق بين غازي عنتاب واعزاز وحلب، وكذلك على مصير عفرين. وتحدثوا أيضاً عن منطقة نزع السلاح التي ستسيطر عليها القوات التركية أو الروسية وتديرها المجالس المحلية.
وأوضحت أن المنطقة القبلية تقع في جنوب حلب ومحافظات حماة الشرقية، الخاضعة حاليا لسيطرة هيئة تحرير الشام ضمن التصور للمنطقة التي يمكن أن تشملها اتفاقات أستانا. وسيشمل ذلك منطقة الرهجان وقاعدة أبو الظهور الجوية معقل هيئة تحرير الشام الرئيسي، فضلاً عن منطقة البادية الصحراوية التي يخطط النظام السوري والميليشيات الموالية له للاستيلاء عليها في عملية عسكرية مدعومة من روسيا .
واعتبرت أن الجولاني يأمل في أن يتمكن من الفوز بدعم إقليمي لحماية هيئة تحرير الشام من الهجمات وعدم تصنيفها كمنظمة إرهابية، وذلك اعتماداً على توصله لتفاهم مع تركيا حالياً. كما يأمل أن يقدم نفسه كشريك في الحرب ضد حزب الاتحاد الديمقراطي. لكن فرص عقد مثل هكذا اتفاق ضعيفة، ويرجع ذلك جزئياً إلى إصرار واشنطن وإصرار المجتمع الدولي على تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية (نظراً لصلاتها بالقاعدة)، وإلى أن التدخل التركي كان يستند أساساً إلى تفاهمات مع روسيا التي من المرجح أن تغطي مصير الفصائل التي تقاتل على الأرض. في حين كانت أولوية روسيا منذ بدء تدخلها في سوريا هي تدمير الجيش السوري الحر، إلا أن الوجود المستمر لهيئة تحرير الشام سيعطيها مبرراً للخروج من صفقاتها مع تركيا وإعادة تفعيل عملياتها في إدلب.
وقالت تركيا تحاول ترويض هيئة تحرير الشام أو تفتيتها داخلياً، وهي تفضل تجنب المواجهة لأنها ترى أنه لا يمكن الاعتماد على الفصائل المحلية وليست قادرة على تدمير هيئة تحرير الشام دون استثمار كبير لمواردها وجهودها. ويمكن استبعاد العمل العسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية في عفرين بدون دعم جوي روسي. لذلك، تواصل تركيا إرسال قواتها إلى إدلب لتعزيز حدود المنطقة وتنفيذ اتفاق أستانا وتوسيع نفوذها في سوريا.
وخلصت الدراسة إلى أن الجولاني يحاول إبقاء تنظيمه على قيد الحياة و وضع نفسه كشريك في السيطرة على إدلب – سواء في المعركة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي أو ضد حلفائه السابقين والأقارب الإيديولوجيين المتطرفين – حالما تحدد حدود منطقة خفض التصعيد. إن الجولاني أكثر واقعية تجاه القوى الأجنبية من منافسيه، سواء داخل تنظيمه أو في الحركة الجهادية بشكل عام. ومن غير المرجح أن تستمر شراكته مع تركيا في المرحلة التالية بعد نشر الجيش التركي في إدلب و توقيع اتفاقات مع روسيا حول وضع الفصائل التي تقاتل هناك.
وفي الوقت نفسه أشارت الدراسة إلى أنه لا يوجد لدى الجهاديين التقليديين أي بديل في إدلب سوى اللجوء إلى المناطق الجبلية أو الاختباء في الصحراء. وتبين التجربة أن إغلاق الخيارات في وجه الحركات الإسلامية يدفعهم إلى مزيد من التطرف. لكن مصير الجهاديين الذين تجمعوا في إدلب على مر السنين من المرجح أن يكون إما تفكك تنظيمي، أو حرب عصابات، أو محاولتهم لتجربة فرصهم مرة أخرى في ساحة معركة جهادية جديدة.
عذراً التعليقات مغلقة