طارق المليحان – حرية برس:
يسكن أبو حسن – رجل في السبعين من عمره – في جوار إحدى القرى في محافظة درعا بعد نزوحه من منطقة اللجاة، العجوز الذي عانى كثيراً في شبابه بسبب صعوبة أوضاعه المادية، وهي كانت من أسباب تأخره بالزواج وتحقيق حلمه بأن يكون أباً.
بعد أن استطاع الزواج ورزقه الله بأولاده (حسن – أحمد – خالد) عمل جاهداً على تربيتهم ليكونوا مثالاً حسناً وقدوة لأقرانهم، وحقق حلمه بأن أصبح هناك من يناديه “أبي” ويعلم أنه سيحمله في شيخوخته ويرعاه، وكان أبناؤه كما تمنى، فقد كانوا خير معين لأبوهم بارين به، ومثالا يحتذى بين الابناء، وعاشوا أسرة سعيدة في حب واحترام، إلى أن جاءت الثورة.
شارك أبناء أبو حسن في الثورة كغيرهم من الشباب السوري، فلم يكونوا استثناء عن غيرهم، ولم يمنعه خوفه على أبناءه وحرصه عليهم من السماح لهم بالمشاركة في أنشطة الثورة المختلفة، وكانوا ذوي عزيمة واصرار على المضي في طريق الثورة حتى تحقيق هدفها في الحرية.
يعي أبو حسن الذي يحب أولاده ويحرص على سلامتهم الخطر المحدق بهم في كل معركة أو عملية يخوضونها، لهذا كان يذهب معهم في كثير من العمليات التي يشعر بأن فيها خطر قوي عليهم.
لم يكن يخطر ببال أحد أن يجري ما جرى في سوريا، ولم يكن يخطر ببال أب حلم بأطفاله يكبرون ويتعلمون ويعينوه في شيخوخته أن يفقد ولدين من أبناءه أمام عينيه فجأة، ففي 20-4-2014 شنت قوات النظام معززة بأعداد كبيرة من المرتزقة الأفغانية هجوماً على منطقة اللجاه وتحديداً بلدة مسيكة (حيث كان يسكن أبو حسن وعائلته بعد نزوحه الأول) وكان الهجوم مفاجئاً حين بدأ قبل ساعات الفجر.
هبّ الجميع للدفاع عن أرضهم ضد الغزاة ومنهم أولاد أبو حسن، وكان أول الواصلين (خالد) الأبن الأصغر لأبو حسن، والذي كان أول شهداء تلك المعركة بعد أن أفرغ نصف ذخيرته في قطعان المرتزقة وقتل منهم الكثير، ومع شروق الشمس وبدء وصول المؤازرات للثوار تحتدم المعركة، وأبو حسن حاضراً بسلاحه، رغم ضعف سمعه، وضعف قدرته على المشي وصعوبة الأرض الوعرة، إلا أنه شارك بعزيمة واصرار وقاتل بعزيمة الشباب، لكنه لم ينفك يسأل عن أولادة الذين لم يشاهدهم منذ بداية المعركة.
وقبل ساعات قليلة من نهاية المعركة، وانكسار القوات الغازية يرتقي (حسن) الأبن الأكبر لأبو حسن شهيداً جميلاً فداء الواجب والوطن، والأب الشيخ لا يعلم حتى تلك اللحظة مصير أولاده.
ينجلي غبار المعركة أخيراً عن مئات القتلى من مرتزقة النظام، وأبو حسن يبحث ويسأل كل من يصادفه عن أولادة، وفجاءة تقع عيناه على ولداه “حسن وخالد” بين جثث الشهداء، ليتوقف الزمن ويسقط أبو حسن أرضاً، فلم تعد قدماه اللتان أتعبهما الزمان قادرتان على حملة بعد هذا الموقف.
ينهض أبو حسن بعزيمة الرجل المؤمن بقضاء الله وقدره ويقول بأنهم لم يذهبوا سدى، وأن من قتلهم دفع ثمن باهظ جداً، ويبدأ بالسؤال عن ابنه أحمد، (هل رأى أحدا منكم ابني أحمد )؟ هل هو مع الشهداء أيضا؟ ألا يعلم أحد منكم ماذا حل به؟ ليجيبه أحد الأشخاص بأن ابنه أحمد بخير، وسيأتي حالما ينتهي وزملاءه من تطهير آخر المواقع من القوات الغازية.
لا ينفك أبو حسن من التفكير بأولاده رغم مرور ثلاث سنوات ونصف على استشهادهم، هم دائماً حاضرون في تفكيره، كثيراً ما يروي لي عن قصص وأحداث لهم وهم صغاراً، يعتريه الحزن أحياناً، وتسيل عيناه دموعاً حيناً آخر، ويقول لي في هذا “خسارتي كبيرة ومصابي جلل، لكن الله أبقى لي ابني أحمد حياً، ليعتني بي، وعوضني بأولاده الذين يملؤون حياتي وحياة ابني الآن، أما ولداي حسن وخالد فإني أحتسبهما عند الله شهداء، وأسأل الله أن يتغمدهم برحمته ويسكنهم فسيح جنانه” .
Sorry Comments are closed