ترجمة اسراء الرفاعي – حرية برس:
ظهر تغير مثير للاهتمام في البيان المشترك الذي صدر عن الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا يوم السبت الماضي، حيث اتفق الطرفان على أنه يجب أن تجري في سوريا “انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقاً لأعلى معايير الشفافية الدولية، وتضم جميع السوريين المؤهلين للمشاركة والمشتتين في أنحاء العالم” . قد تبدو الانتخابات في سوريا وكأنها مازالت تفكيراً حالماً، ولكن حقيقة أن الخصوم العالميين يؤيدون إشراف الأمم المتحدة هي بارقة أمل، وليس فقط لسوريا.
إن “إشراف الأمم المتحدة” ليس مجرد عبارة يمكن استخدامها بشكل صارم في هذا السياق. فعندما ساعدت الأمم المتحدة ناميبيا على إجراء أول انتخابات لها عام 1989 في فترة ما بعد الاستعمار، تم تقديم المساعدة على الانتخاب لأكثر من 100 بلد. حيث تقتصر معظم مشاريع الأمم المتحدة على المساعدة التقنية. وعلى سبيل المثال عيّنت الأمم المتحدة مستشارين للجنة الانتخابات المحلية في العراق في عام 2005 ونسقت مساعدة دولية لمتابعتها، ولكن الأمم المتحدة لم تلعب دوراً إشرافياً أو تنظيمياً في ذلك. وقد وجّهت بعض البعثات، كما في نيكاراغوا في عام 1990، وأنغولا في عام 1992 وجنوب أفريقيا في عام 1994، وذلك للتحقق من صحة الانتخابات. وقد حصل في مناسبتين أن نظمت الأمم المتحدة الانتخابات وأجرتها بالفعل، كما في كمبوديا في الفترة 1992-1993 وفي تيمور الشرقية في الفترة 1999-2002 ، إلا أنها لم تشرف على الانتخابات منذ الانتخابات الناميبية.
وفي وقت انتخابات عام1989 نظمت السلطات في جنوب افريقيا الانتخابات ، حيث كانت جنوب افريقيا تسيطر على ناميبيا وتشارك في نزاع مسلح مع منظمات التحرير الوطني، لكن إدارة الأمم المتحدة تابعت كل خطوة في هذه الانتخابات، وساعدت في صياغة مسودة القوانين وكانت تتمتع بحق النقض تجاه المنظمين. وبلغت نسبة الاقبال 96%، وربحت أكبر منظمات التحرير الوطني “سوابو” ب 57% من الأصوات، وأُعلن استقلال ناميبيا، إلا أنها منحت الحزب الذي تدعمه جنوب افريقيا مقاعد كافية لضمان مشاركته في صياغة دستور البلاد.
لقد كان نجاحاً كبيراً للأمم المتحدة. كذلك الأمر عند نظمت بالكامل الانتخابات في كمبوديا (بعد حكم الخمير الحمر الدموي الذي دعا المؤيدين إلى مقاطعة الانتخابات وحاولوا منع التصويت في بعض أجزاء البلد)، وكذلك في تيمور الشرقية بعد إعلان استقلالها عن إندونيسيا مباشرة. وقد فشلت بعثات الدعم الانتخابي التابعة للأمم المتحدة التي كانت تتمتع بتفويض أقل وميزانيات أصغر في بعض الأحيان، وعلى سبيل المثال، في أنغولا في عام 1992، حيث استؤنفت الحرب الأهلية بعد الانتخابات مباشرة، وأيضاً في هايتي في الفترة 1990-1991 حيث حدث انقلاب لمدة ثمانية أشهر بعد الانتخابات الرئاسية.
تعد الحالة السورية خاصة، حيث لا يمكن لأحد باستثناء الأمم المتحدة أن يقوم بتنظيم انتخابات ذات معنى حقيقي، لأن الكثير من السوريين الذين بلغت كثافتهم قبل الحرب 22 مليون نسمة قد توزعوا في أنحاء العالم بسبب الصراع القائم. وقد قامت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بإحصاء 5.3 مليون سوري ممن فرّوا إلى الدول المجاورة، 3 مليون منهم في تركيا ، بينما توزع البقية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويعيش معظم هؤلاء السوريين في مخيمات معروفة لدى الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك ما يقرب مليون لاجئ سوري مسجلين في أوروبا، حوالي ثلثيهم في ألمانيا والسويد. وإذا ما عاد اللاجئون يوماً ما، فعليهم أن يكونوا قادرين على التصويت على مستقبل بلدهم. وفي حين أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد غير قادرة على تنظيم التصويت الأجنبي، إلا أنه من المؤكد أنها ستعارض منح حق التصويت للاجئين، لأن العديد من هؤلاء الناس فروا من نظام الأسد.
ومن المفيد عادة أن تقبل جميع الأطراف في النزاع المدني نتائج الانتخابات قبل إجراء التصويت، كما حدث في ناميبيا. وقد لا تصل سوريا إلى سيناريو مماثل في ظل وجود العديد من المقاتلين المتنوعين، ولكن إشراف الأمم المتحدة من شأنه إقناع معظم المقاتلين الذين لم يصنفوا دولياً كإرهابيين بقبول التصويت وإيجاد سبل لتفعيل التعاون.
من المهم أن تكون المنظمة الدولية أكثر انخراطاً مما كانت عليه في العراق أو أفغانستان، حيث ظلت الديمقراطية هشة وأقل شمولية، وذلك لأن الأمم المتحدة لم تلعب سوى دور استشاري فقط. وقد فاز حامد كرزاي المدعوم من الولايات المتحدة وسد احتيال كبير في الانتخابات الرئاسية الأفغانية لعام 2004، وتم إعلان نتائج الانتخابات في العام التالي بعد وقت لاحق عن الموعد المقرر لصدورها بسبب الاحتيال. إن هذه الأصوات ليس لديها الكثير من الشرعية ، بدون ترخيص الأمم المتحدة الكامل. وسيخاطر نظام الأسد بفقدان آخر دعم دولي يملكه في حال رفض إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحدث عن انتخابات سورية تحت إشراف الأمم المتحدة، حيث تم ذكرها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يشير إليه البيان المشترك. لكن هذا القرار الذي صدر في كانون الأول / ديسمبر 2015 لم يعبر إلا عن “دعم” الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة في غضون 18 شهراً بموجب دستور جديد. وقد تم تحديد هذا الموعد النهائي وانقضى، وبالطبع لم يتم اعتماد أي دستور جديد. إلا أنه من المشجع أن ترامب وبوتين لا يزالان يحبذان منح الأمم المتحدة دوراً هاماً في المستقبل.
عذراً التعليقات مغلقة