تضامن السوريين .. كان حلماً وهوى!

سليم قباني11 نوفمبر 2017آخر تحديث :
تضامن السوريين .. كان حلماً وهوى!

عندما بدأت صيحات المتظاهرين تشق عنان السماء: حرية .. حرية .. والشعب يريد إسقاط النظام.. وخرج السوريون الأحرار في جميع المحافظات السورية في ثورة شعبية تطورت مطالبها من محاسبة الفاسدين والتغيير الديمقراطي إلى إسقاط النظام الاستبدادي القاتل بكافة رموزه وأركانه، كان نظام الأسد يعيش أكثر أيامه ضعفاً وخوفاً من هذا المد الشعبي الجارف المخلص لمطالبه، الراضي بكل أنواع التضحيات في سبيل تحقيق أهدافه.

كان النظام يعيش صدمة المشهد الشعبي المدهش بجرأة المتظاهرين وتسابق السوريين لتقديم التضحيات مهما بلغت قسوتها، لكنه في المقابل كان قد بدأ بوضع وتنفيذ الخطط الخبيثة لإخماد الثورة، وضرب الحراك الشعبي في مقتل، وكان من أبرز وأخطر ما خطط له ونفذه بحرفية وخبث نادرين، هو تفريق صفوف الأحرار السوريين وضرب اللحمة الشعبية التي ميزت انتفاضتهم في بدايتها.

خطط النظام على هذا الصعيد تنوعت وتعددت المحاولات لتنفيذها، وكان همه منصباً على جعل أبناء كل محافظة وحدة بشرية غير معنية بما يحصل لأخوتهم السوريين في باقي المحافظات، كما عملت أجهزة أمن النظام على بث الشائعات ذات البعد الطائفي، وافتعل الكثير من الأحداث الطائفية، كان أخطرها عمليات الخطف المتبادل، على خلفية طائفية، في محاولة منه لضرب النسيج المجتمعي السوري في أخطر مفاصله.

ولم تقتصر محاولات نظام الأسد لضرب الحراك الثوري عند هذا الحد، فقد ساهمت أيادي مخبريه القذرة في العبث بالعلاقات الاجتماعية بين أبناء المناطق، وأبناء الريف والمدينة في المحافظات السورية، وتكريس النزعة المناطقية والعشائرية والعائلية، وأثار النعرات ونزعات الثأر بين مختلف التشكيلات الاجتماعية، حتى ضمن الحي الواحد والقرية الواحدة، في نهج يعكس لا مبالاة النظام في اقتتال فئات الشعب السوري فيما بينها.

ناشطو الثورة الأوائل، ومن كل أطياف المجتمع السوري، تنبهوا لخطورة هذا النهج الإجرامي وخطط النظام وأجهزته الأمنية، لتفريق صفوف الأحرار السوريين، وتصدوا لها بكثير من الجهد والعزيمة، رغم التضييق الأمني عليهم واستهدافهم بالملاحقات والاعتقال والقتل أيضاً، وأعلنوا مراراً وتكراراً رفضهم القاطع لهذه المحاولات الخبيثة، واستنكارهم لكل حادثة تضرب النسيج الوطني السوري، وحاولوا علاج الظواهر الخطيرة التي بدأت بالظهور، والتصدي لآثارها ونتائجها الخطيرة، عبر تشكيل لجان مجتمعية متنوعة دينياً وطائفياً واجتماعياً، ومن خلال المظاهرات والأنشطة الإعلامية التي كانت تهدف إلى إبراز التضامن مع أبناء المناطق التي تتعرض أكثر من غيرها للاستهداف الدموي والحصار والتجويع من قبل قوات الأسد وشبيحته.

وكان من أبرز هذه الأنشطة مظاهرات التضامن التي تنادي بدعم المدن والقرى الأكثر تعرضاً لتنكيل النظام، حيث كان أحرار دير الزور يهتفون فداءً لحماة وحمص، ويهتف ثوار حمص فداءً لبانياس، وأحرار دمشق يهتفون تضامناً مع درعا، وكانت مظاهرات أبناء كل المحافظات تخرج نصرة للمحاصرين في أي منطقة أو مدينة أو محافظة يستهدفها نظام الأسد.

كانت مشاهد المظاهرات التضامنية هذه من أجمل اللوحات التي رسمها أحرار الشعب السوري، يعبر فيها السوريون عن كونهم شعباً واحداً متماسكاً، لا يرضون الظلم لأي فرد منهم، من أي مدينة أو دين أو طائفة أو قومية كان، وما أجملها من مشاهد لن ينساها السوريون الأحرار.

آنذاك كنت أظن أننا نسير على طريق النهضة بالوعي الوطني، وأن هذه الحالة سوف تستمر في التصاعد والتقدم، وأن الأمر لن يطول حتى يسقط نظام الأسد أمام إرادة الأحرار وقوة الشعب الواحد، فلا يوجد شعب واحد يخرج بمظاهرات بأغلب مدنه وقراه، ويبقى النظام قاهراً له مهما بلغت سطوته وتماسك مؤسساته القامعة الديكتاتورية!!

حلمي “الوردي” هذا، وحلم جميع من انخرط بالثورة آنذاك هوى وتحطم وتحطمت معنوياتنا معه.

كنا نحلم أن نبقى صفاً واحداً متماسكاً نسند بعضنا بعضاً، وتمنيت وتمنى جميع الأحرار أن تكون هذه هي سوريا المستقبل، لكن الصدمات كانت قاسية وأسقطتنا من فوق عرش أحلامنا، كانت الصدمات تتالى وتصبح أكثر قسوة عاماً إثر عام، ومع كل حادثة تفضح هشاشة العلاقات بين فئات الشعب، وعدم حصانتها أمام محاولات تمزيقها التي برع فيها نظام الأسد.

استيقظنا بعد أقل من سنة من عمر ثورتنا على سقوط حلمنا الوردي، وبدأت نزعات التفرق تظهر على المجتمع السوري، نزعات تشظي واحتراب مخجلة، لا بد من الاعتراف بوجودها أولاً كي ننتقل إلى مرحلة مواجهتها بالعلاج المناسب، خاصة أنها وصلت حداً خطراً صار فيه بعض السوريين غير آبه بوطن دمرت مقدراته وتم تهجير شعبه، وأصبحت أعداد فاقدي الإيمان بالثورة وبأهدافها وبأحلامهم أكبر من أن يصدقها عقل، رغم اعترافنا أن المأساة أكبر من أي مستوى يمكن للعقل البشري التعامل معه، لكن تبلد مشاعر الكثيرين صار مخجلاً بحق.

الكثيرون الآن صاروا لا يهتمون حتى لأمر المحاصرين والمهددين بالجوع والموت بفعل حصار قوات الأسد، وهذه اللامبالاة لا تتعلق بالموقف من الثورة، ووجود النفس الثوري من عدمه، هو يتعلق قبل كل شيء بإنسانية المرء من عدمها، والخوف أن البعض من المحسوبين على الثورة، التي هي ثورة أخلاق قبل كل شيء، صاروا بلا حد أدنى من الأخلاق، وفقدوا إنسانيتهم، وأصبحوا بحاجة لمن يذكرهم أنهم بشر!

ولأننا هذه الأيام نعيش قلقاً مرعباً على مصير المئات من المدنيين في مدينة دير الزور، حيث تحاصرهم قوات الأسد ومليشياته في منطقة حويجة كاطع، وترفض السماح لهم بالخروج وتطالبهم بالاستسلام للاعتقال أو الموت تحت ضربات المدافع والقناصات، فإن فاجعة كبيرة من نوع آخر تكاد تقتلنا ونحن نشاهد لامبالاة الكثيرين من المحسوبين عن الثورة إزاء مصير هؤلاء المحاصرين من أبناء وطنهم.

فاجعة بحق أن ترى وتسمع هؤلاء وهم يمضون جل وقتهم في نقاشات بلا جدوى حول برنامج تلفزيوني ساخر مثير للجدل، أو يتسابقون لنشر مشهد لطميات في سوق الحميدية بدمشق، فيما لا يكترثون لنداءات استغاثة يطلقها محاصرون في ديرالزور أو الغوطة الشرقية!!

ما يحصل معنا الآن يبدو مستعصياً على الفهم، لكن واجب التحدث عنه والبحث فيه بات ضرورة، وليس له علاج إلا في مراجعة أنفسنا، والتوقف فوراً عن قتل ثورتنا وأهدافها، وقتل إنسانيتنا قبل كل شيء، قبل أن تتبرأ ثورتنا وإنسانيتنا منا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل