ترجمة إسراء الرفاعي – حرية برس:
لطالما سعت الولايات المتحدة لإدارة العلاقات مع تركيا حليفة الناتو، بينما تشن في الوقت نفسه حرباً ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
حيث إن استراتيجية الجيش الأمريكي في المشاركة مع القوات المحلية المتمثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي – الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة متمردة نشطة في جنوب شرق تركيا منذ حوالي أربعة عقود – لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، أدت إلى تذبذب علاقتها بحلف الناتو وجعلها بعيدة عن التوازن. قد تكون الشراكة الأميركية مع الأكراد السوريين ضرورية لهزيمة داعش إقليمياً، إلا أنها تقوّض أيضاً العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا.
لطالما كانت تركيا عبر التاريخ حليفاً صعباً للولايات المتحدة، وكثيراً ما كانت تتردد في السماح للولايات المتحدة بإجراء ضربات من أراضيها إلى الشرق الأوسط. وقد أدت هذه التوترات الناجمة عن رفض تركيا منح الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى القواعد الجوية بغرض تنفيذ عمليات قتالية إلى تضاؤل الدعم العسكري الأمريكي لتركيا، ولاسيما من طرف القيادة الأمريكية المركزية.
وقد جاءت هذه التوترات قبل مشاركة الولايات المتحدة في الحرب الأهلية في سوريا، إلا أنها قد تفاقمت خلال المفاوضات الطويلة والصعبة حول وصول الولايات المتحدة إلى القواعد الجوية التركية لضرب تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أدى القرار الأمريكي في عام 2015 الذي ينص على تقديم دعم لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا إلى تزايد الشكوك التركية حول النوايا الأمريكية في الشرق الأوسط، وتعزيز المخاوف من أن المصالح الأمريكية والتركية في المنطقة غير متوافقة.
من المؤكد أن القضية الكردية تظل عائقاً خطيراً أمام تعزيز العلاقات الأمريكية – التركية. وقد ركزت الولايات المتحدة والتحالف على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية ، مما أدى إلى شراكة وثيقة مع قوات سوريا الديمقراطية (SDF) – وهي مجموعة شاملة من الميليشيات المكون الرئيسي لها هو ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وحدات حماية الشعب (YPG)، مما يضع تركيا في وضع خاص في مواجهة كل من الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية. وتقول أنقرة أن صلابة قوات سوريا الديمقراطية يمكن أن تُحفّز حزب العمال الكردستاني (PKK) على استخدام العنف لتحقيق أهدافه السياسية. ومع ذلك، فإن تركيا تقدم دعماً مباشراً للحملة الجوية التي تدعم تقدّم قوات سوريا الديمقراطية، إلا أنها في الوقت نفسه، تهدد بشكل روتيني بضرب مواقع قوات سوريا الديمقراطية، وذلك من شأنه أن يخاطر بتفكيك العلاقات مع واشنطن، حليف تركيا الأهم.
تبعد القاعدة الجوية حوالي 70 ميلاً عن الحدود السورية، ويقلل موقعها من المدة الزمنية التي تستغرقها الرحلة من وإلى سوريا. و قد كانت المفاوضات لفتح القاعدة مشحونة واستغرقت ما يقرب من عام لإبرامها.
وقد عزّز رفض تركيا الأولي السماح بالوصول إلى الولايات المتحدة التصور القائل بأن أنقرة ليست حليفة جديرة بالثقة، وبرأي البعض، فإن مواقفها أقرب إلى توفير الحماية للدولة الإسلامية. إلا أن الحكومة التركية تفتقر إلى أي نفوذ آخر على الولايات المتحدة وقد سعت إلى استخدام الوصول إلى “إنجرليك” لصالحها، وذلك في المقام الأول في محاولة لكسب تأييد الولايات المتحدة لمواقف أنقرة السياسية.
وقد أدى الخلاف حول القاعدة الجوية “انجرليك” إلى زيادة التكاليف المادية لعمليات الولايات المتحدة القتالية، إلا أنه لم يعق بشكل جدّي الحملة الجوية التي كانت قيد التنفيذ. وقد دعمت الطائرات الأمريكية التي تُقلع من عدد لا يحصى من القواعد في الشرق الأوسط في يونيو/حزيران 2015 هجوماً كردياً للسيطرة على تل أبيض، وهي مدينة حدودية هامة. وقد جاء سقوط تل أبيض وسط تزايد تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية لتركيا، وإدراك تركيا بأن الشراكة بين الولايات المتحدة و وحدات حماية الشعب (YPG) ستستمر.
و بالنسبة إلى أنقرة فإن سقوط تل أبيض في يد وحدات حماية الشعب وضع صانعي السياسات في مأزق ، حيث أغلقت الولايات المتحدة وشركاؤها الأكراد جزءاً كبيراً من الحدود السورية_ التركية دون مساعدة كبيرة من أنقرة. ومن ثم، فإن تركيا معرضة لخطر التهميش في المعركة التي تجري على حدودها. ومع ذلك فإن المنتصرين المحتملين ( وحدات حماية الشعب ) قد اعتُبروا تهديداً أمنياً خطيراً. وقد تراجعت أنقرة عن قرارها وفتحت القاعدة الجوية للمهمات القتالية الخاصة بالولايات المتحدة وغيرها من أعضاء التحالف ضد داعش. ووافقت الحكومة التركية على فتح القاعدة في يوليو / تموز 2015، مما سمح للجيش الأمريكي بإجراء مهمات قتالية لدعم وحدات حماية الشعب من الأراضي التركية.
وفي المقابل، تعهدت أنقرة والولايات المتحدة بالعمل معاً لتدريب قوة ذات أغلبية عربية لمحاربة تنظيم داعش غرب نهر الفرات، لكن هذا الجهود لم تنجح. كما أن فتح “أنجرليك” للتحالف لم يخفف من حدة التوترات التركية_الأمريكية حول الحرب في سوريا، وبالتالي لم يفعل شيئاً يذكر لتحسين الخصومات التي هيمنت على العلاقة في السنوات الأخيرة.
ويأتي تضاؤل العلاقات العسكرية وسط توترات ثنائية أوسع تنبع من التغيرات في السياسة المحلية التركية، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو / تموز 2016. حيث قامت الحكومة التركية عقب الانقلاب بعملية تطهير واسعة النطاق لمن يُشتبه بانتمائهم لحركة “جولن” والمعارضين السياسيين.
وقد أثار نطاق عمليات التطهير مخاوف كبيرة في الولايات المتحدة بشأن سيادة القانون وترسيخ الحكم الاستبدادي في تركيا. وقد تفاقمت هذه المخاوف في نيسان / أبريل 2017 بعد استفتاء لتغيير التكوين السياسي التركي من نظام برلماني إلى نموذج رئاسي مركزي حصل على 51,4 % من الأصوات. وأشارت لجنة البندقية وهي هيئة استشارية دستورية تابعة لمجلس أوروبا إلى أن المشروع “يفتقر إلى الضوابط والتوازنات اللازمة للحماية من أن يصبح استبدادياً”.
عذراً التعليقات مغلقة