كانت مفاجئة تصريحات ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي بخصوص مصير بشار الأسد، بعد لقائه في جنيف مع المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا. بعبارات بالغة الوضوح، قال تيلرسون: عهد أسرة الأسد يقترب من نهايته. والقضية الوحيدة هي كيفية تحقيق ذلك. الولايات المتحدة تريد سورية كاملة وموحدة ولا دور لبشار الأسد في حكمها.
ليست العبارات مفاجئة، لأننا لم نسمعها من قبل. على العكس، بل هي مفاجئة لأننا سمعنا الكثير منها منذ عام 2011 على لسان باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، كما على لسان فرنسوا هولاند رئيس فرنسا السابق ودايفيد كامرون الذي كان يوماً رئيساً لحكومة بريطانيا. وكانت هناك فرص لإسقاط النظام في لحظات ضعفه أكثر مما هي متوافرة اليوم. مثلما كانت هناك فرص لتطبيق قرارات مجلس الأمن، خصوصاً «بيان جنيف» الصادر عن «مجموعة العمل الدولية من أجل سورية» في حزيران (يونيو) 2012 الذي تمت الموافقة عليه من الولايات المتحدة وروسيا وأعضاء مجلس الأمن الآخرين، والذي نص على قيام «هيئة حكم انتقالية تتولى كامل السلطة التنفيذية».
وعبارات تيلرسون مفاجئة أيضاً لأنه يطلقها في الوقت الذي تشير المواقف الدولية إلى أن هناك خطة لإعادة تأهيل نظام الأسد، ترعاها روسيا، انطلاقاً من الزعم أن البديل غير موجود، وأن هذا النظام هو الوحيد القادر على الحفاظ على «سورية الموحدة»، فيما الكل يعرف أن أجزاء الخريطة السورية أصبحت ممزقة الآن، يمسك بها نافذون محليون وخارجيون، يتوزعون بين روسيا وإيران وتركيا، فيما أن ما يدعى النظام السوري هو الأضعف بين هؤلاء.
هو الأضعف نفوذاً على الأرض، لكنه لا يزال، إلى جانب التنظيمات الإرهابية، الأقدر على ارتكاب المجازر بحق السوريين. والصور المريعة المقبلة من غوطة دمشق للهياكل العظمية المسماة بشراً، والغارة الكيماوية على خان شيخون، وسواهما من المجازر السابقة التي تقصر الذاكرة والمساحة عن تعدادها كلها، تكفي دليلاً لمن لا يزال يبحث عن دليل، على أن نظاماً كهذا لا يستحق البقاء في الحكم بعد كل ما فعله بشعبه.
تصريحات تيلرسون مفاجئة أيضاً، لأنها لا تتفق مع السياسة التي أعلنها رئيسه دونالد ترامب أكثر من مرة، والتي تعتبر أن الحرب على «داعش»، وليس تغيير النظام السوري، هي التي يجب أن تحتل الأولوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن أن ترامب لا يبدو مستعداً لمواجهة نظام يتمتع بالدعم الروسي الكامل، كما هي حال النظام السوري.
بل إن تصريحات تيلرسون تختلف مع مواقف سابقة له من الوضع في سورية. مثلاً، خلال لقاء له مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في وزارة الخارجية بواشنطن في حزيران الماضي، نقلت تفاصيله مجلة «فورين بوليسي» آنذاك عن ثلاثة مصادر، أبلغ تيلرسون الأمين العام بأن حكومته تترك مصير الأسد في أيدي الروس ليقرروا ما يفعلون به، وأن أولويتها في سورية تنحصر في القضاء على «داعش». كما قال لغوتيريش أن هدف العمليات العسكرية الأميركية في سورية محصور بمنع النظام من استخدام أسلحة كيماوية وحماية القوات الأميركية التي تحارب «داعش».
يقول تيلرسون أن المشكلة الوحيدة التي تحول دون إنهاء حكم «أسرة الأسد» هي «كيف تحقيق ذلك». مع أن تيلرسون يدرك، أو أنه يستطيع أن يعرف من المسؤولين في وزارته، أنه كانت هناك طريقة لمواجهة نظام الأسد وصولاً إلى إسقاطه، قبل أن تهب موسكو وطهران لإنقاذه. غير أن الإدارة الحالية، كما السابقة تخلت عن ذلك، وأوقفت دعم المعارضة التي كانت العمود الفقري للانتفاضات التي انطلقت في ربيع 2011.
من المستبعد أن تثير تصريحات تيلرسون قلقاً لدى النظام السوري أو بين أفراد «أسرة الأسد» الذين سمعوا الكثير من هذه التهديدات خلال السنوات الماضية، وما زالوا ينامون في أسرّتهم الوثيرة مطمئنين إلى أنها تهديدات جوفاء. مثلما هو مستبعد أن ترفع هذه التصريحات من معنويات المعارضة أو أن تعزز ثقتها في المواقف الأميركية والدولية. لقد غابت من زمن بعيد ثقة المعارضين في الأخلاق الدولية، وبالحرص على وقف شريعة الغاب التي تتيح لأنظمة مثل النظام السوري أن ترتكب بحق شعبها ما يرتكبه بشار الأسد.
عذراً التعليقات مغلقة