يحكى، تندراً، أن مسافراً يحمل في حقيبة سفره علب متّة كثيرة، ما أثار استغراب وشكوك أمن مطار دولة أوروبية لا تعرف هذا المشروب، وحينما تم تحليل المتة في أحد المخابر المتخصصة، تم السماح للمسافر بإدخال المتة، إذ جاءت نتيجة التحليل: “مستحضر نباتي لا يستخدم إلا علفاً للحيوانات”.
خطرت لي هذه النكتة “اللئيمة” حينما سيطرت أخبار المتّة، عرضاً وطلباً ووفرةً وأسعاراً، على الأخبار في سورية الأسد، بل وسرقت المتّة الأضواء، من صفقات “التحرير” والانتصارات الإلهية التي يحققها جيش الأسد والقوات الحليفة والرديفة، وأخبار تقاسم النفوذ على الحقول النفطية، الذي كان آخرها “العمر”، أكبر حقول سورية، من نصيب “قسد” خلال فضح جديد لتنظيم “داعش” الذي يتهاوى أمام “الشركاء والوكلاء” ويستبسل ويترك خراباً ومقابر جماعية، بمناطق سيطرة المعارضة واكتظاظ النازحين السوريين.
قصارى القول: زفّ مسؤول سوري رفيع اليوم، خبراً سيكون، أو على الأرجح، له الدور الأهم باستقرار السوريين وخروجهم من دوامة الموت والعذاب “وداعاً لجشع التجار، السورية للتجارة تقرر استيراد 15 ألف طن من المتة”.
بدوره، وزير التجارة الداخلية في حكومة الأسد، عبد الله الغربي، أكد لجمهور المتة أن “الوزارة تتابع الالتزام بالأسعار الجديدة والمخفّضة لمادة المتة من قبل المنتجين والموزعين، وقلة المادة في السوق سببه زيادة الإقبال والطلب على المادة وبكميات كبيرة رغم أن الكميات الموزعة حالياً في الأسواق هي نفسها التي كانت توزع قبل التسعيرة الجديدة”.
وليطمئن المسؤول محبي المتة، أضاف: “اعتباراً من اليوم، سيتم طرح كميات أكبر من مادة المتة من قبل جميع الشركات المنتجة والموزعين وفي صالات السورية للتجارة لتغطي حاجة السوق، موضحاً أن الوزارة حالياً تدرس عدداً من العروض تتعلق باستيراد المؤسسة السورية للتجارة لمادة المتة، حيث تم مؤخراً الطلب من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية الموافقة على منح السورية للتجارة إجازة استيراد كمية 15 ألف طن من مادة المتة”.
والمتة يا سادة التي حددت وزارة التجارة سعرها العام الفائت بنحو 500 ليرة للعبوة، وكسرته أخيراً، لنوع “البيبوري” حصراً، إلى نحو 300 ليرة، دخلت سورية كرد جميل من الأرجنتين، فكما صدّر السوريون لهم رئيساً وأصحاب رؤوس أموال، صدّروا لسورية هذا المشروب الساحر، الذي من بعض صفاته، الديمومة لساعات، فضلاً عن منافعه وفوائده الجمة، والتي بعض بعضها، زيادة الآمال والتبوّل واستهلاك التبغ السوري وتليين المعدة، بل وسدّ الشهية، ما يعني توفير الطعام في زمن الحرب، وليس كما ورد عن التقرير المخبري الكيدي في البلد الأوروبي المتآمر.
نهاية القول: يا لهذا الوجع السوري ويا لتعاسة السوريين، ففي حين يتكرّس اقتسام نفوذ الدول المحتلة على أرضهم، ويتم تقسيم الجغرافيا والثروات علانية، يتم إشغال السوريين بتوفر المتة وأن تاجراً واحداً من آل الأسد وصحبه محتكر ومنذ سنوات لاستيرادها، حتى باتت فيه المتة، قضية رأي عام، تتصدر أخبارها أحاديث مسؤولي الأسد وعناوين الصحف والمواقع الإلكترونية.
وأيضاً، ففي حين تملأ المتة الإعلام وتشغل الناس، يتم تغييب أخبار معاناة نيف و300 ألف سوري محاصرين بلقمتهم ودوائهم في غوطة دمشق ومنذ خمس سنوات، عادت أخبار موت أطفالهم جوعاً للتداول، بعد انتحار طفل في جوبر قبل أيام، لئلا يثقل كاهل أهله برغيف خبز.
عود على حكي، يُنقل عن رئيس وزراء المملكة المتحدة، ونستون تشرشل مقولة شهيرة، ردّ خلالها على الخائفين على بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية من الضياع “البنى التحتية تهدمت والإنتاج توقف والرشوة والفساد على أشدهما”، فتساءل تشرشل: هل القضاء بخير؟ فأجابوا: “هو بخير”، فقال: “إذا كان القضاء بخير، إذا بريطانيا بخير ومن الممكن إصلاح كل شيء”. ومنه وعلى مبدأ القياس، لطالما المتّة بخير، فعلى الأرجح، سورية الأسد بألف خير.
Sorry Comments are closed