بلغ كلام لبناني عن اللاجئين السوريين مستويات غير مسبوقة. البطريرك الماروني بشارة الراعي قال إنهم صاروا عبئاً ديموغرافياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً على لبنان. لم يقل الراعي إنهم صاروا عبئاً مذهبياً، ذاك أن لبنان مُعافى على هذا الصعيد، وهو غير مكترث بحجم جماعاته المنصهرة «ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً». والحال أن تذكير اللبنانيين كل يوم بعدد من الحقائق المتعلقة بقضية اللاجئين صار ضرورياً، ذاك أن ذاكرتهم قصيرة، وميلهم إلى تجاوز مسؤوليتهم في هذه القضية يتعاظم يوماً بعد يوم.
يتحمل لبنان الرسمي والشعبي جزءاً من المسؤولية عن مأساة هؤلاء اللاجئين، فهو مشارك رسمياً في القتال في بلادهم. شريك اللبنانيين الأكبر في الحكومة وفي المجلس النيابي وفي الأجهزة الأمنية والعسكرية وفي الدورة الاقتصادية، أي «حزب الله»، هو جزء من الحرب السورية. لبنان موافق على هذه المهمة. الحكومة موافقة، والمجلس النيابي موافق ورئيس الجمهورية موافق. وهذه المسؤولية اللبنانية يجب أن تكون جزءاً من الخطاب الرسمي والشعبي اللبناني حيال هؤلاء اللاجئين، لكنها مغيبة تماماً عن خطاب الكراهية اللبناني حيالهم. بل إن هذا الخطاب يعتبر أن اللاجئين جاءوا بنزهة إلى ربوع بلدنا الجميلة واستطابوا الإقامة، فقرروا أن يستعيضوا فيها عن بلادهم وبيوتهم وأرزاقهم. وعلينا هنا أن لا ننسى أن حوالى 70 في المئة من اللاجئين في لبنان هم من مناطق يسيطر عليها «حزب الله» في شكل كامل في سورية، لا سيما حمص وأريافها كالقصير ويبرود والزبداني. علماً أن ثمة حزباً لبنانيا ثانياً ممثلاً في الحكومة وفي مجلس النواب يقاتل أيضاً في سورية، هو الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو بدوره أعلن رسمياً ذلك، وهو ما يصعب مهمة من يدعون أن لبنان ليس أكثر من مُستقبِل لاجئين في هذه الحرب.
لجهة العبء الاقتصادي، تقول مفوضية اللاجئين في لبنان ومنظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أنها تتحمل أكثر من 90 في المئة من فاتورة هؤلاء على مختلف الأصعدة، أي الصحية والغذائية والتربوية، وأخيراً قال مسؤول أوروبي لكاتب هذه السطور إن وزيراً لبنانياً طلب منه تمويل نقل النفايات بحجة تعاظمها بفعل اللاجئين. وهذه الهبات الدولية تشمل أيضاً البيئات اللبنانية التي يقيم اللاجئون في محيطها.
لجهة العبء الأمني، يشير كل المسؤولين الدوليين في بيروت إلى أن مساهمة مواطنين سوريين في الوقائع والحوادث الأمنية التي حصلت في لبنان هي الأدنى قياساً بمساهمة اللبنانيين والفلسطينيين، ويقول هؤلاء إن تغير هذا الأمر وارد بفعل ما يتعرض له اللاجئون، وبفعل ظروف الإقامة القاسية في مخيمات يعوزها مختلف أنواع الخدمات.
أما ما يهمله تماماً خطاب الكراهية اللبناني حيال اللاجئين السوريين فهو مساهمة جزء من هؤلاء في عدد من القطاعات الاقتصادية الأساسية. فقطاع البناء يعتمد في شكل كلي على العمال السوريين، ولا زراعة من دون هؤلاء، ناهيك بأبناء الطبقة المتوسطة الشامية الذين يقيمون في بيروت ويساهمون في اقتصادها الخدمي، وأغنياء الشام الذين تعج بهم المؤسسات المصرفية والخدمية والسياحية. كل هذا لا يعني أن وجود أكثر من مليون ونصف المليون لاجىء سوري سني في لبنان لا يربك «الديموغرافيا» اللبنانية، وهذا هو جوهر الخطاب حيال اللاجئين. على النقاش أن يبدأ من هنا، وأن لا يوارب. ليس للاجئين السوريين من يتفاوض باسمهم حول هذه الحقيقة. النظام السوري قوة مذهبية تعتبر أنها تخلصت منهم، والمعارضة غير مهتمة وهي موزعة بين مصالح دول ليس اللاجئون مشروعها. خطاب الكراهية اللبناني يتحرك في هذا الفراغ، ويستفيد من أن أحداً لن يفاوض لبنان على مبادلة اللاجئين بالانسحاب من الحرب السورية، ولا باشهار الفاتورة الاقتصادية الحقيقية التي تدفعها الحكومة اللبنانية في هذا الملف. أما الفاتورة الديموغرافية، فمن الصعب فصلها عن حقيقة أن لبنان أيضاً جزء من الحرب السورية، وعلى البطريرك الماروني، المحق في مخاوفه المذهبية، أن يفاوض مواطنيه ممن يقاتلون في سورية.
عذراً التعليقات مغلقة