كمن يغمض عينيه وأذنيه كي لا يرى أو يسمع، تتصرف حكومة لبنان إزاء الحملة الدولية وبعض الإقليمية على دور «حزب الله» في نزاعات المنطقة، وفي وجه ما يُتهم به من أعمال توصف بـ «الإرهابية» في عدد من الدول، وذلك على رغم العواقب السلبية على علاقات لبنان بهذه الدول.
هكذا تصرفت الحكومة اللبنانية إزاء إعلان وزارة الخارجية الاميركية تخصيص مبلغ ضخم (12 مليون دولار) لمن يقدم لها معلومات تسمح باعتقال مواطنَين لبنانيَين تتهم الولايات المتحدة أحدهما بإدارة شبكة لتنفيذ عمليات في الخارج والآخر بالمشاركة في التخطيط لتفجير مقر مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983. وفي سياق هذه الاتهامات، أعلن نيكولاس راسموسن، مدير المركز الوطني الاميركي لمكافحة الإرهاب، أن «حزب الله» يخطط لشن هجمات داخل الولايات المتحدة، وأن «أجهزة الاستخبارات تلاحظ نشاطاً مستمراً لممثلين للحزب داخل الأراضي الأميركية». وتأتي هذه الاتهامات في إطار نظرة واشنطن إلى الحزب على أنه أداة في يد أجهزة الأمن الإيرانية وخصوصاً «الحرس الثوري»، الذي بات مصنفاً كتنظيم «داعم للإرهاب»، كما هو تصنيف «حزب الله» من قبل واشنطن، التي تضع خطط الحزب في سياق المواجهة القائمة حالياً بينها وبين طهران. يضاف إلى ذلك أن إدارة ترامب تقول إن جزءاً لا يستهان به من الودائع الإيرانية التي كانت مجمدة في المصارف الأميركية وتم الإفراج عنها نتيجة الاتفاق النووي مع طهران (في حدود 100 بليون دولار) ذهب لتمويل منظمات مسلحة تابعة لإيران، من بينها «حزب الله».
لم يسمع أحد رد فعل أو موقفاً من حكومة لبنان حيال الاتهامات الأميركية ضد الحزب، أو حيال المطالبة باعتقال اثنين من قيادييه، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، على رغم احتمال أن يكون هذان الشخصان مقيمَين على أراضيها. كما أن الحزب الذي ينتميان إليه يشارك في الحكومة، ما يفترض دفاعها عنه إذا كانت الاتهامات الموجهة ضد هذين الشخصين باطلة، أو التنصل من شراكته إذا كانت الاتهامات صحيحة.
هذا ما يقوله منطق الأمور ومنطق العمل الطبيعي لمؤسسة الحكم، التي لا يمكن أن يكون كل طرف فيها «فاتحاً على حسابه»، يقيم علاقاته الخارجية ويخطط سياساته بالطريقة التي تخدم مصالحه، بصرف النظر عن مصلحة الدولة والحكومة التي يشارك فيها. لكننا نتحدث هنا عن لبنان. وفي لبنان «حكومتان» داخل حكومة الرئيس سعد الحريري، إحداهما تأمل بأن «يعود الحزب إلى لبنان»، وأن يأخذ في الاعتبار مصالح البلد الأمنية والاقتصادية، فيتوقف عن زرع الألغام في طريق أي انتعاش اقتصادي ومالي وسياحي محتمل، من خلال الحملات التي يشنها على دول حليفة وصديقة للبنان، ويتوقف عن الانزلاق إلى الأخطار التي يمكن أن يؤدي إليها التهديد بمواجهة غير محسوبة العواقب مع العدو الإسرائيلي. وهناك حكومة أخرى تتماهى بالكامل مع الخطاب الإعلامي للحزب، ومع أدواره الداخلية والخارجية، بل إن هذا الفريق، الممثل في قمة السلطة برئيس الجمهورية، يتفوق على الحزب في دفاعه عن احتفاظه بسلاحه، كما فعل الرئيس ميشال عون في أكثر من مناسبة، من بينها حديثه الأخير إلى صحيفة «الفيغارو» الفرنسية بمناسبة زيارته باريس قال فيه: لا يمكننا أن نمنع سلاح «حزب الله» طالما أن إسرائيل لا تحترم قرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن. إن إسرائيل سيكون لها الحق ساعتئذ في أن تشن الحرب كيفما ومتى تشاء، في حين أن الآخرين ليس لهم الحق في الحفاظ على سلاحهم للدفاع عن أنفسهم؟ إن هذا غير مقبول.
بهذا يقر رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، والقائد السابق للجيش اللبناني، بدور لـ «حزب الله» في أي مواجهة محتملة مع العدو الإسرائيلي يفوق دور الجيش، الذي يفترض أن يكون المسؤول الوحيد عن الدفاع عن لبنان. وفضلاً عمّا في هذا الموقف من أثر على معنويات الجيش، الذي يُجمع اللبنانيون على الالتفاف حوله، فإنه يمثل قبولاً بالمزاعم التي يسوقها الحزب لبنانياً لتبرير احتفاظه بالسلاح، بأنه القوة الوحيدة القادرة على حماية الحدود اللبنانية وردع الاعتداءات الإسرائيلية، مع أن تجارب الحروب السابقة من «تصفية الحساب» عام 1993 إلى حرب تموز (يوليو) 2006 أكدت التفاوت في القدرات العسكرية بين الطرفين، الذي أدى إلى أعداد كبيرة من الضحايا اللبنانيين ودمار هائل لحق بالبنية التحتية في لبنان وبوضعه الاقتصادي، وكل هذا نتيجة تفرد «حزب الله» بقرار الحرب، واستسلام الحكومات اللبنانية للمغامرات غير المحسوبة العواقب التي تقود إليها سياساته.
عذراً التعليقات مغلقة