نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً مطولاً حول الوضع الراهن في سوريا، موضحة الأساليب التي يتبعها نظام الأسد لإيهام الجميع بأنه المنتصر الوحيد، والأسباب التي يجب على الغرب أخذها بعين الاعتبار لتوجيه الدعم إلى المجتمعات المحلية في سوريا.
وقالت الصحيفة “لقد أتمّت الحرب السورية الآن عامها السادس، وقد مرّ الصراع خلال السنين الماضية بسلسلة مختلفة من المراحل، وتبدأ الآن مرحلة جديدة. ومع ذلك، فإن الوضع الراهن يثير مجموعة من الاستنتاجات الكاذبة أكثر من أي شيء آخر.
أول فكرة خاطئة هي أن الرئيس السوري بشار الأسد قد فاز. وتُظهر الخريطة العسكرية أن الأسد قد استعاد سيطرته على مساحات واسعة من سوريا على مدى العامين الماضيين، وذلك بفضل القوات الجوية الروسية وحزب الله بالإضافة إلى الميليشيات المدعومة من إيران. إلا أن أكثر من 40% من البلاد ما زالت خارج سيطرة النظام، بما في ذلك المناطق التي تقع فيها معظم حقول النفط. وتشمل المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد معظم الشمال السوري، فضلاً عن محافظة دير الزور في الشرق ودرعا في الجنوب.
وبالنظر إلى الناحية العسكرية، فإن الأسد لم يفز بعد، إن ما فعله بالضبط هو منع أي أحد آخر من الفوز. هذا الفروق البسيطة مهمة، لأن الفوز يعطي انطباعاً بأن الصراع قد انتهى، وأن أحد الطرفين قد هزم تماماً جميع أعداءه، مما يترك المجتمع الدولي دون المزيد من العمل في مساره. لكن هذا التصور خاطئ، فليس هنالك رابح في سوريا إلى يومنا هذا، وإن المنطلق الذي يقول “لا يوجد حل عسكري في سوريا” مازال قائماً إلى حد الآن.
الفكرة الثانية الخاطئة هي أن سوريا يمكن أن تستقر في ظل قيادة الأسد. في الواقع إن مؤسسات الدولة السورية الآن أضعف من أي وقت سابق، حيث تقلّص الجيش السوري إلى ثلث حجمه، وتعاني الدولة من الإفلاس، بالإضافة إلى أن اقتصادها مدمر. قد تكون “الحرب الأهلية” قد هدأت نوعاً ما، ولكن جميع الأسباب الجذرية للكارثة لا تزال موجودة. فقد ازداد ظلم النظام مع مرور الوقت، وإذا تم ترك هذه المشاكل دون معالجة، فإن الصراع سيندلع مرة أخرى ما لم تتحقق تسوية سياسية.
وهذا يقودنا إلى التصور الخاطئ الثالث الذي يتلخص بفكرة أن إرسال أموال إعادة الإعمار من خلال حكومة الأسد سيفيد الشعب السوري. وقد تم تهميش معظم المناطق التي يسيطر عليها الثوار من قبل النظام لعقود قبل الثورة، و هذه المناطق هي الأكثر تدميراً من قبل النظام.
ومن غير المنطقي أن نتوقع من الأسد أن يرسل أي مساعدات أو أموال إلى المناطق التي قصفها أو حاصرها أو جوعها على مدى السنوات الست الماضية. سيستخدم الأسد أي أموال يتم إرسالها إلى الحكومة السورية لدعم حلفاؤه وقاداته العسكريين، وإطعام ميليشياته شبه العسكرية، والاستمرار بمعاقبة المجتمعات الثائرة. ولطالما كانت هذه دائماً أولوياته، وليس هناك ما يدعو المجتمع الدولي إلى افتراض أنها تغيرت.
ولهذا السبب، يجب إرسال المساعدات مباشرة إلى المجتمعات المحلية والمحتاجين إليها في سوريا. ذلك من شأنه أن يمنع الأسد من استخدام المساعدات كسلاح، ويضمن وصول المساعدات فعلياً إلى الأشخاص الذين هم في أشد الحاجة إليها. ويمكن القيام بذلك في المناطق المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية، مما سيساعد على منع الدولة الإسلامية من العودة، لأنه يعزز المجتمعات المحلية، ويسمح لها باستخدام الأموال لمعالجة الأسباب الجذرية التي مكنت الجهاديين من استغلال وضعهم في البداية. كما أنه يُحفز المجتمعات المحلية في سوريا على تولي زمام الأمور لطرد كل من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية من البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن معظم اللاجئين ينحدرون من مناطق لا تزال خارجة عن سيطرة النظام، وإن تحسين الظروف في تلك المناطق هو السبيل الوحيد لتسهيل عودتهم. وإن مكافأة الأسد بأموال إعادة الإعمار لن تحقق ذلك، بل ستدعم آليته القمعية فقط. يجب ألا يحصل الأسد على أي شيء إلى أن يقدم إصلاحات ملموسة في المقابل، والتي هي أمر مستبعد جداً إذا ما عدنا للتاريخ. كما أن الاعتماد على حسن نية الأسد لم تكن أبداً استراتيجية ناجحة.
الفكرة الخاطئة الأخيرة هي أن الحملة العسكرية تكفي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. ففي حين تستطيع الولايات المتحدة قصف مقاتلي الدولة الإسلامية، إلا أنها لا تستطيع أن تمحي أيديولوجيتها. وبدون معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى نشوء الحركة الإرهابية، فإن أي “هزيمة” ليست سوى لفترة قصيرة الأمد. و يجب على الولايات المتحدة أن تثبت وتستثمر في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام كوسيلة لضمان الهزيمة الدائمة للدولة الإسلامية. ومن شأن هذا الدعم أن يمكِّن المجتمعات المحلية من أن تحكم نفسها، وأن تعطي المجتمع المدني المحلي المجال الذي يحتاجه لمواصلة العمل على التصدي للتطرف الذي يتسم به تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية باعتبارهم يعرفون سكانهم المحليين على أفضل وجه.
لقد بدأت الدولة الإسلامية بنشر أفكارها في سوريا منذ عام 2013 . وتخضع بعض الأماكن، مثل مدينة الرقة، للسيطرة الكاملة من قبل الدولة الإسلامية منذ ما يقرب من أربع سنوات. وقد سيطر التنظيم على جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك التعليم والمساجد ووسائل الإعلام. وسيتطلب الأمر الكثير من العمل لعلاج آثار الدولة الإسلامية القاسية على المجتمع، ولا يمكن إلا للمجتمع المدني السوري القيام بهذا العمل. ويعود السبب في ذلك إلى كونه محلي، حيث بإمكانه أن يفهم الثقافة المحلية كما أن له مصداقية في المجتمع. يعد المجتمع المدني السوري شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وسيكون من الحكمة أن تحافظ الولايات المتحدة على دعمها لمجموعات المجتمع المدني على أرض الواقع بل وزيادة دعمها.
لقد ارتكب الأسد مجموعة متنوعة من جرائم الحرب لتحقيق مكاسبه العسكرية، كما أن الفظائع التي ترتكبها الدولة الإسلامية تفوق الخيال.
عذراً التعليقات مغلقة