لا تزال قطاعات واسعة من المجتمع الدولي بما في ذلك البلدان المانحة الرئيسية ترفض شرعية الأسد ونظامه، وتبدو إعادة الإعمار الآن وكأنها المعركة القادمة لتشكيل النظام السياسي في سوريا. وبالنسبة لمؤيّدي المعارضة السورية فإن أموال إعادة الإعمار تُعد واحدة من آخر أدواتها المتبقية للضغط على نظام الأسد. ويقترح الخبراء الآن خططاً ملتوية لآلية قيام الغرب بإعادة بناء سوريا رغماً عن الأسد أو كيفية تهيئة المال لإعادة الإعمار على أساس تنازلات سياسية من النظام.
هناك حل أقل تعقيداً: عدم تمويل إعادة بناء سوريا الأسد.
وقد حذّر الأسد خصومه في خطابه في آب/أغسطس قائلاً: “لن ندع الأعداء والخصوم والإرهابيين ولا بأي شكل أن ينجزوا من خلال السياسة ما فشلوا في تحقيقه في ميدان المعركة ومن خلال الإرهاب”.
يجب على الغرب أخذ خطاب الأسد في الحسبان . إن إعادة الإعمار لا يمكن فرضها أو جعلها مجدية بالنسبة للمانحين الغربيين على الأقل لأي غايات سياسية مرضية. هناك حجج إنسانية محدودة للاستثمار في إعادة الإعمار، ولكن من الناحية السياسية ليس للغرب أي دور يؤديه .
حسب التقديرات فإن تكلفة إعادة إعمار سوريا ستكون هائلة تتراوح بين 200 _350 مليار دولار . وهذه المبالغ تتجاوز بكثير قدرة سوريا وحلفائها الإيرانيين والروس.
ومن المتوقع أن يقع عبء إعادة الإعمار على عاتق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، فضلاً عن المؤسسات المتعددة الأطراف التي من المرجح أن تتلقى إشارات من مانحيها الغربيين مثل البنك الدولي.
اقترح مؤيدو المعارضة في محاولة لتبرير المبالغ الهائلة أن أموال إعادة الإعمار قد تشتري تنازلات سياسية. وقد أُعلن في اجتماع للجهات الفاعلة بما فيها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أن دعم الإنعاش وإعادة الإعمار في سوريا يتوقف على عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي يمكن أن يكون بدعم من الغالبية العظمى من الشعب السوري”.
وقال وزير الخارجية البريطاني “بوريس جونسون” : “لقد بقي لدينا بطاقة واحدة ضخمة في يد فقيرة جداً وهي المال الذي يمكن أن نقدمه لإعادة إعمار سوريا”.
وتحقيقاً لهذه الغاية طرح عدد من الخبراء فكرة تمويل مشاريع صغيرة في مناطق خارجة عن سيطرة النظام وبدون مشاركة النظام أو موافقته. وقد دعم المانحون الغربيون بالفعل هذا النوع من المساعدة على الاستقرار بما في ذلك دعم الحكم المحلي وإصلاح الخدمات الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد أو المعارضة. وهذه المساعدة ذات قيمة فهي تساعد على إبقاء هذه المناطق صالحة للسكن، ولكن هناك حد لما يمكن أن تنجزه لاسيما في المناطق الريفية الخارجة عن سيطرة النظام وفي كثير من الحالات لم تنته الحرب فيها.
إن إعادة الإعمار الاستراتيجي الحقيقية لن تحصل في أطراف سوريا، بل في أكثر المناطق اكتظاظاً وحيوية في البلاد، والتي يسيطر عليها الأسد.
وتشمل هذه المناطق مدن مدمرة مثل حلب وحمص التي تحتاج إلى إعادة إعمار واسعة النطاق.
هناك حجج للدول المانحة وخاصة في أوروبا للاستثمار في إعادة إعمار سوريا. أولاً هناك أساس منطقي إنساني بحت . إن إعادة الإعمار يمكن أن تحسن بشكل هامشي حياة السوريين بعد سنوات من الحرب. وبالنسبة للأوروبيين هناك احتمال إضافي بأن إعادة الإعمار بما في ذلك الانتعاش الجزئي للاقتصاد السوري يمكن أن تساعد على إبقاء السوريين في الداخل، مما ينهي الهجرة التي زعزعت سياسة أوروبا نفسها ، وقد يعطي التمويل أيضاً بعض الجهات صوتاً في دمشق إلى جانب حلفاء الأسد الإيرانيين والروس.
إن هذه الحجج وعلى وجه الخصوص القضية الإنسانية تحمل بعض الوزن، على الأقل على أساس منطقي ضيق ، إلا أنه من غير المقنع أن أموال إعادة الإعمار ستعطي المانحين الغربيين النفوذ لإعادة تشكيل السياسة السورية بشكل جوهري. على سبيل المثال ، فكرة أن المال الغربي يمكن أن يُحفّز الأسد بطريقة ما على التنازل عن العرش، هي مجرد خيال واضح.
يعتقد بعض المحللون أن الغرب يستطيع أن يستخدم التمويل للحصول على تنازلات بعد تغيير النظام بما في ذلك اللامركزية الإدارية والإفراج عن المعتقلين أو خلق مساحة للمجتمع المدني. غير أن الدبلوماسيين وغيرهم ممن تعاملوا مع دمشق يبدون غير مقتنعين بأن الأسد سوف يتخلّى عن الكثير من المضمون الحقيقي.
ولن يُسمح للجهات المانحة بأن تضع نهاية للأسد . وقد قام النظام بالفعل بتنظيم البيئة الاقتصادية والتنظيمية لسوريا من أجل استيعاب وتوزيع الإعمار الضخم بشروطه الخاصة. وتدير دمشق قنوات التمويل الإنساني للشركاء والموردين المعتمدين، وهناك ما يدعو إلى توقع أنها ستفعل الشيء نفسه مع أموال إعادة الإعمار. كما قام الأسد بتفكيك أي شيء من شأنه أن يكون بديلاً أو شريكاً محلياً مستقلاً . فعلى سبيل المثال ، قام النظام بحل المجالس الإدارية المحلية في مناطق المعارضة التي استعادها والتي كانت ترعاها جهات مانحة غربية.
ينبغي على المانحين الغربيين ألا يمولوا جهود إعادة الإعمار التي يقودها النظام ، وعلى وجه الخصوص يجب ألا يسمحوا للدافع السياسي بأن يغير شيئاً أو يدفعهم إلى الاستثمار بشكل جوهري في النظام السياسي في سوريا، وهو أمر غير مرغوب فيه وليس مستقراً.
ويجب على الجهات المانحة أن تنظر في رفع العقوبات على قطاعات محددة من الاقتصاد السوري ، كما ينبغي أن تستمر في الإنفاق في سبيل الاستقرار المحلي ومشاريع المصالحة في جميع أنحاء البلاد، مما يعكس آثاراً محدودة لكنها إيجابية. وفي المقام الأول يجب أ، تستثمر دعم واستيعاب اللاجئين السوريين سواء في أوروبا أو الدول المحيطة بسوريا.
وربما في وقت لاحق ، إذا حدث تحول في موقف النظام أو السياق السياسي، سيكون من المنطقي إعادة النظر في إعادة الإعمار والإنفاق على البنية التحتية، ولكن ليس الآن أو في أي وقت قريب.
Sorry Comments are closed