قالت صحيفة “لندن بوست” البريطانية، إن طموحات تتعدى نشر الفكر الشيعي لتشمل إحياء الدولة الفارسية، من خلال التغلغل في دول الجوار وبسط نفوذها في الشرق الأوسط.
وابتدأت الصحيفة بقول وزير الدفاع الإيراني “حسين دهفان” في نهاية أيار/ مايو 2003 أن “العراق قد أصبح جزءاً من الامبراطورية الفارسية ولن يعود إلى الصبغة العربية ولن يكون بلداً عربياً”.
وأضاف “دهفان” مستخدماً نبرة تهديد: “يجب على العرب الذين يعيشون هناك المغادرة إلى الصحارى التي أتوا منها، بدءاً من الموصل إلى البصرة التي هي امتداد أرضينا”.
كما هدد القائد السابق للحرس الثوري الإيراني العرب بأن قوات الحشد الشيعي في العراق ستخمد أي أصوات تتجه نحو جعل المدار العراقي داخل محيط عربي لأنه عاد الآن إلى محيطه الفارسي الطبيعي.
واختتم حديثه قائلاً: “لقد أصبحنا مرة أخرى قوة عظمى كما كنا في الماضي، ويجب على الجميع أن يفهموا ذلك، نحن سادة المنطقة في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا وقريباً في البحرين”.
ولم يعد بإمكان “دهفان” -المقرّب من المرشد الأعلى “علي خامنئي” الذي يتمتع بأعلى سلطة سياسية وعسكرية ودينية في إيران- أن يكبح مشاعره وأفصح عن ما يقال في ممرات السلطة في طهران و “قم” ، وكشف عن الاستراتيجية الحقيقية للخطة الفارسية القومية الإيرانية التي حاولت طهران دائماً إخفاءها تحت ستار الشيعة.
إن تصريحات الجنرال الإيراني ليست جديدة بل هي متابعة لما قاله مستشار الرئيس الإيراني “علي يونسي” في 8 مارس/ آذار عندما أعلن أيضاً أن “إيران أصبحت امبراطورية كما كانت على مر التاريخ مع عاصمتها الحديثة بغداد، حيث مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت في الماضي”. وتجاوز “يونسي” حدود العراق قائلاً: ” إن كل الشرق الأوسط إيراني، وسوف نواجه التطرف الإسلامي، وندعو لهداية الآخرين الكفار، والملحدين، والعثمانيين الجدد، والوهابيين، والغرب والصهاينة”.
وكان “يونسي” -الذي شغل منصب رئيس وزراء الاستخبارات والأمن القومي الإيرانية حتى عام 2005- يشير إلى نية إيران في استعادة الإمبراطورية الفارسية التي كانت موجودة قبل الإسلام.
لقد استفادت إيران من الفوضى والعلاقات السيئة مع جيرانها، حيث استغلت حرب الخليج الثانية للسيطرة على العراق، و أوجدت حزب الله خلال فوضى الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات، كما تسللت إلى المجتمع السوداني أثناء التمرد في الجنوب والانفصال عام 2001، كما خلقت الطبقة الحاكمة الفاسدة سياسياً ودينياً وعسكرياً ، وحوالي 75 مليشيا طائفية في العراق خلال فوضى الغزو الأمريكي، كما استغلت الفوضى في أفغانستان وأيدت طالبان وأرسلت إليهم أسلحة لمحاربة القوات الحكومية. وقد تلاعبت بالنزاعات السياسية في البحرين حيث تحولت إلى حرب أهلية شاملة، واستغلت الحوثيين في اليمن وزودتهم بالأسلحة، وحرضتهم طائفياً لإشعال الحرب، وفعلت ذات الشيء في سوريا عندما دعمت نظاماً طائفياً استبدادياً فاسداً دمر البلاد وشرّد شعبها.
إنّ حلم إيران بإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية هو أكثر أهمية من أي أهداف سياسية أخرى أو أيديولوجية أو دينية تستخدمها كأدوات للوصول إلى سعيها. وهو يخفي رغبة قومية فارسية تحت غطاء واجهة مذهبية شيعية لإنجاز مخططها الذي لن يكون مقبولاً إقليمياً.
ركزت إيران على متابعة الأنظمة المضطربة، وأنشأت أحزاب سياسية شيعية ومليشيات مسلحة في لبنان والعراق واليمن وأفغانستان ، ودعمت الحركات والأحزاب الإسلامية السنيّة بذريعة دعم المقاومة ضد إسرائيل، منها : (حماس والجهاد الإسلامي) في فلسطين، (حزب الاتحاد الوطني) في كردستان العراق، (الإخوان المسلمين) في مصر، (بوكو حرام) في السودان ونيجيريا، (حزب الله التركي وحزب العمال الكردستاني) في طاجكستان وأوزباكستان وتركيا ، وكل ذلك لتحقيق هدفها القومي الخفي في إحياء الامبراطورية الفارسية.
وقد عملت إيران في العقد الأخير على نشر الفكر الشيعي في العديد من البلدان العربية بدعم من بعض الأنظمة مثل نظام حافظ الأسد في سوريا ويليه ابنه بشار، وقد قدمت الحوافز لمن اعتنقوا الفكر الشيعي ، مثل الرعاية المجانية والتعليم العالي في إيران، فضلاً عن أجور شهرية عالية بحسب المعايير السورية. كما تم بناء الحسينيات، وإنشاء سفارات لإيران لنشر ثقافتها والفكر الشيعي على مدى العشرين سنة الماضية.
كما بدأ بث سبع قنوات شيعية في جميع أنحاء العالم لتعزيز المخطط الإيراني واستضافة الدعاة الشيعية.
إن تأثير إيران في المنظمة ليس مؤقتاً، ومع ذلك، فإن جدول الأعمال هذا يتعثر لأن الأزمة السورية لم تُحل وفقاً لرغبات لإيران. حيث بدأت بعض الدول العربية في مراقبة مسعى إيران -بعد تدخلها المباشر في سوريا- من أجل كبحها وتقويضها.
إن ما يساعد إيران على الاستمرار في نهجها هو الصمت في واشنطن حول سياسات طهران منذ بداية الربيع العربي، وتحالف إيران مع روسيا، وهذان العاملان غير مستقران ويعتمدان على حسابات القوتين العظمتين، مما قد يعني خروج إيران من المشهد في المستقبل القريب أو المتوسط.
كما أن السعي إلى امبراطورية إيرانية يحكمها أيضاً الوضع الداخلي الإيراني والأعراق المتعددة هناك، ومخاطر تحريك هذا التوازن. كما يجب على إيران أن تلتزم بالقانون الدولي وأن تحترم سيادة الدول، وأن تبقى ضمن دورها الإقليمي الدقيق، وأن لا تعمل وفقاً لأهواء فقهائها الإسلاميين أو آية الله أو القوميين العنصريين والحكام الصفويين الذين يعتقدون أن الماضي يمكن أن يعود بكل سهولة.
عذراً التعليقات مغلقة