في قصيدة “سيناريو جاهز” للشاعر محمود درويش، يطرق فيها الأبواب الصدئة، جمجمة الأسئلة والاحتمالات التي لا تنتهي.
يضعنا في مرافعة وجودية، مختزلًا أمكنة وأزمنة في قصيدة من 300 كلمة.
أنا والعدو في حفرة- قبر، كلانا نواجه مصير واحد.
لعل سوريا أضافت على احتمالات درويش، احتمالات اضافية، ما خطرت على بالنا قبلا، ونحن نتابع معه السيناريو.
كأن أصير أنا عدوي، في الحفرة- القبر!!
هكذا احتمال لا يشّذ المصير عن القاعدة فحسب، هنا تشّذ الحياة والوجود عن مرتكزها.
هذا ما يحدث في سوريا الآن، وربما هذا سبب انفجار ماغما اقتراحات الحلول الباهتة، لتفضي بنا إلى جدار اللاحل.
عبرت بنا الحرب الاحتمالات التي كانت توجع درويش في السيناريو الجاهز، وابتدعت ما لم يستطع شاعر انتظره درويش أن يُكمل احتمالاته في قصيدة، كان سعار الحرب هو القصيدة، وموسيقاها.
أنا عدوي، الآن في دمشق، ولا يعلو سوى صوت الكراهية المجبول بالبارود، وبقايا لحم الأطفال المبتورة أطرافهم وأحلامهم.
أنا عدوي الآن في كل بقعة من سوريا، في الحصار والدمار والخرائب الممتدة من شرق البحر إلى نهاية الجحيم.
كان لدمشق قبل اندلاع الحرب غير محدودة الأبعاد، أبواب دافئة، تحفظ عن ظهر قلب همهمات عشاقها، الأسماء وظل المواعيد، الموسيقا الصاخبة والخافتة عند ملتقى الأمسيات، القصيدة المتخفية والسافرة، شهقات الانتظار المشدودة على أوتار الخوف.
وحين خوف من خطر محدق، تُخرج أبواب دمشق أصابع تعاويذها، تزرع الأزقة المؤدية إلى حانات العشق، بنبات سريع النمو، ليختبئ ايقاع أدرينالين النبض المضطرب المرتبك عشقًا وحذرًا.
قدمت دمشق لكل عاشق وعاشقة مفتاح لبوابتها السحرية، وياسمينة مضيئة مقاومة للقبح و التخاذل، وما طلبت امتنان من أحد.
من خلع الأبواب؟ ومن سرق مفاتيحنا؟
تقول دمشق: أنتم رميتم مفاتيحكم في بحر عميق القاع، واخترتم المنفى.
تسأل: أكانت خيمة الغرباء بدفء أبوابي؟
وتقول دمشق أيضًا: قال لكم الفلسطيني أن الأوطان لا تُستَرجع من مخيم بعيد.
في عمق كل سوري يربض قلق بحجم الكارثة، ومشاعر مختلطة، تتناوب بين الندم والحنين، الثأر والمحاسبة العادلة، بين الذاكرة وتفاصيل واقع غريب، ومخاوف شتى تأخذه إلى السؤال الكبير، هل كان لي دور في قتل البلاد؟
لكن هذا كله لن يجدي نفعًا إذا ما نهض من طمي العجز.
Sorry Comments are closed