ربيعنا.. صندوق باندورا؟

رغدة حسن10 سبتمبر 2017آخر تحديث :
ربيعنا.. صندوق باندورا؟

بينما يتظاهر الشعب السوري في المناطق المحررة “غير الخاضعة لسلطة الأسد” يحملون لافتات وشعارات تختصر الصورة السورية بعمق حاجتها للحرية والسلام معًا، كانت مجموعات كبيرة من السوريين ما تزال متخندقة في جبهاتها واصطفافاتها على خلفية مباراة سوريا مع ايران.

للوهلة الأولى قد لا يفهم الآخر، الغريب، ما يحدث في الساحات السورية، وقد يحتاج لمراجعات متنوعة من النظريات الفلسفية والسيكولوجية ليتمكن من فهم الشخصية السورية.
إذ كيف ينهض المحاصر و المهدد بالموت من كل الجهات المقتتلة على أرضه، رافعاً مقولات تطالب (بالافراج عن المعتقلين، رافضاً التطرف، مطالباً بمحاسبة نظام الأسد المسؤول عن مجازر ارتكبها بحق شعبه، ومحاكمته محاكمة عادلة، واستبعاد الفصائل المسلحة عن المرافق الخدمية وتسليمها لجهات مدنية …….) بكل ما تحمل الروح الإنسانية من رقي و نبل، في المقابل ينشغل سكان المنفى من السوريين بأمر يعتبره المنطق العام تفصيلاً ثانوياً، ألا وهو تصنيف المنتخب السوري، أهو منتخب لسوريا أم لنظام الأسد؟

هذه القضية التي مازالت تشغلهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت منصة لكل من طاب له أن يدلي بدلوه، ولأنه زمن المنصات، كان لابد أن يتمترس المتمترسون كل بمنصته.

دون الانتباه لما يحدث في الداخل السوري، همروجة المنتخب كانت تحمل رياحاً مسمومة محملة بالكراهية والحقد والانتقام.

كما أنها حملت وجهاً آخر اشتاقت له الأرض والسماء في سوريا، هي بارقة فرح صغيرة جمعت غالبية السوريين علناً وضمناً على حب البلاد، لم يعرها أحد أدنى انتباه.

ولأن هذا الربيع فتح صندوق باندورا على مصراعيه، في منطقة ما يسمى “الوطن العربي” وسمح للكراهية أن تنفجر وتكشف مستور وعورات الأرواح الهزيلة المنكسرة التي مورس عليها كل أشكال الطغيان – الخارجي والداخلي، فإن المنظمات المعنية بحرية التعبير والرأي تحاول تدارك وردم هذا المستنقع الآسن، بحملات لمكافحة الكراهية والعنف، ولرصد منبع الخطاب وأسبابه، لكن كيف؟

صوت الدم لم يهدأ منذ الوعي البشري الأول، وجائحة الانتقام المستشرية التي تعم الكوكب، لم تُروض رغم الانجازات الحضارية التي بات البشري يمتلكها.

في كل فترة زمنية يمتلك الانتقام أدوات جديدة تقض مضجع عالمنا.

أدوات عبقرية لو سُخّر الجهد المبذول لاحترافها لتحققت انجازات من شأنها أن تطعم أعداد هائلة من أطفال دول العالم الثالث المنسيين على حافة الجوع.

إذاً كل هذه المقدرات الحضارية والانجازات، تذهب إلى ساحات لتخدم مايتعلق بشكل أو بآخر عالم الكراهية والحقد والحروب.

يتمظهر الانتقام بأشكال شتى إلا أن متلازمته التي لا تفارقه ولا تتغير هي لغة الكراهية السامة.

ويحافظ خطاب الكراهية على تقدمه صف الانتقام معلناً عن وصوله في كل الحروب التي يخوضها.

كيف تستوطن الكراهية الأرواح، تضع بيوضها تتكاثر تتناسل وتنمو لتكبر؟

على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في الشارع و الاسواق في البيوت ودور السينما والملاعب الرياضية، تطفو الكراهية المسنودة على أوتاد الحقد ونبذ الآخر، ولها أسباب وجذور عميقة منها الاختلاف الفكري والعقائدي والعرقي والنفعي أحياناً.

ولأنها جائحة فإن المسيطر عليها هو الميكانيزم الذي يتحكم بالقطيع، حالة تنتقل بالعدوى في الأوساط المستقبِلة، الجاهزة لتحمل هذا الخلل الكبير الذي تظهر آثاره بين شرائح عريضة في المجتمعات، بين مجتمعات مختلفة أو بين أبناء المجتمع الواحد.

يقول شارلي شابلن في فيلم الديكتاتور: “العالم يتسع للجميع، هذه الأرض غنية بالخيرات وبإمكانها أن توفر للجميع حياة حرة وجميلة، لقد سمم الطمع أرواح البشر، وأحاط العالم بالكراهية، ودفعنا نحو البؤس وسفك الدماء، المعرفة جعلتنا متشائمين، وذكاؤنا صار وحشياً وقاسياً، كثيراً ما نفكر وقليلاً ما نشعر، نحتاج إلى الأخلاق والطيبة والأخلاق الإنسانية أكثر من الآلات، من دون هذه المبادئ سنكون في عالم ممتلئ بالعنف، هدف هذه الاختراعات كان من أجل مصلحة البشر ومن أجل وحدتنا جميعاً باسم الإنسانية”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل