تجري ترتيبات ومشاورات لإنجاز اتفاق بشأن مدينة الرّقة السورية، بين أطراف تسعى إلى تحقيق إنجازات في الوقت الضائع، خصوصا مع التوجه إلى عقد مؤتمر جديد لهيئة التفاوض العليا، وما يمكن أن يتمخض عنه من نتائج غير مبشرة. وتفيد معلومات بأنه يجري التحضير لاتفاق مصالحة في روما بين الاتحاد الديمقراطي (الكردستاني)، ممثلا بـمجلس الرّقة المدني، ومجلس محافظة الرّقة، بترتيبات تيار الغد السوري، في سياق اشتغاله على مبدأ المصالحة وآلياتها، والغاية هي التوافق على إدارة مدينة الرقة، وخصوصا أن مجلس الرّقة المدني الذي عينه “الديمقراطي الكردستاني” بدعم أميركي فشل، حتى الآن، في الحصول على دعم القوى السياسية والاجتماعية في الرّقة، ولم يجد تعاوناً يُمكّنه من ممارسة الدور المرسوم له.
الغرض بشكل واضح هو الحصول على اعتراف بـهذا المجلس، ومنحه شرعية اجتماعية مفتقدة، في ظل المأزق الذي تلمسته إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، وكذلك الأميركيون فعلياً، منذ بدء عملية تحرير الرّقة التي استبعدت منها القوى العسكرية والسياسية التي تمثل الرّقة فعلياً.
سوف يفضي لقاء روما الذي يُدبر في الخفاء إلى تشكيل مجلس محلي لإدارة الرّقة، أي مركز المدينة فقط، تعود تبعيته لمجلس الرّقة المدني، ما يعتبر بداية مرحلة جديدة من الاعتراف والتعاون مع قوى الاحتلالات في الرقة، وجميع القوى الأجنبية، الأميركية والكردستانية، قوى احتلالية.
ليس الغرض هنا مناهضة أي حوار أو تعاون مع القوى التي تسيطر على الرّقة وتتحكم بها، بل إن من الموضوعي الحوار معها بشكل جاد ومباشر، من أجل واقع المدينة ومستقبلها، ولكن هناك محاذير من الانجرار نحو الاعتراف بقوى الاحتلال والمجلس المنبثق عنها، من دون أن يكون هناك التزام بحقوق أهل الرقة وتلبية مطالبهم، والأهم عدم الموافقة على تجزئة المناطق، والقبول بتقسيم المحافظة إلى قطاعاتٍ تحكمها أطراف أخرى. أي اتفاق يقبل بذلك، هو استجابة للضغوط، وهو تنازل وتفريط لا يمكن القبول به، ويتعارض مع مبدأ الحوار.
أي اتفاق بشأن الرّقة يجب أن يسبقه تقييم فعّال لتجربة مجلس الرّقة المدني، وخصوصا بشأن الالتزامات التي فشل في تنفيذها في الفترة الماضية، وأن يأخذ في الاعتبار أن محافظة الّرقة وحدة إدارية واحدة لا يمكن تجزئتها. وأن القبول بدور مرحلي لأي مجلس يجب أن يتأسس على نقاط أساسية، يُجمع عليها أهل الرّقة، هي مطالب، ولا يمكن تجاوزها، بأي حال، وتتمثل في: إعادة غير مشروطة للنازحين إلى مناطقهم ومساكنهم، وإطلاق المعتقلين والمحتجزين لدى الاتحاد الديمقراطي (الكردستاني)، والكشف عن مصير المفقودين، بما في ذلك معرفة مصير المختطفين الذين استولت قوات سورية الديمقراطية (قسد) على أماكن اعتقالهم لدى “داعش”، إدانة جرائم الحرب التي ارتكبتها “قسد”، والاتفاق على محاكمة مرتكبيها، ضمان إنشاء مجالس محلية مدنية، لكل منطقة، من دون أي تدخلات خارجية، أو إكراه، أو تغليب منطق المحاصصة العرقي أو سواه.
ثمة قضيتان أساسيتان، هما موقف الولايات المتحدة مما يجري، ودورها فيه، وكما هو معروف دعمها لمليشيات صالح مسلم (الكردية)، وتغاضيها عن ممارسات هذه المليشيات الإجرامية، وتبنيها مجلس الرّقة المدني. وهي تتجاهل أي دور للمجتمع المدني الرقيّ، وتشارك في إقصائه. بلا شك يلعب ضعفنا وتشرذمنا دوراً كبيراً في ذلك، لكنه لا يعفي واشنطن من مسؤولية نتائج ما يُحاك في الظلام حيال الرّقة، سواء عبر سياسات الاتحاد الديمقراطي أو اجتماع روما. القضية الثانية غياب الثقة بين مجمل الأطراف المعنية بحوارات روما. ولا يمكن القبول باتفاقاتٍ لا تحظى شخوصها، وكذلك بنودها، بأي إجماع. لم يستطع تيار الغد، ولا مليشيا صالح مسلم، بناء ثقة مع أبناء الرقة، وهذا عامل أساس في تهيئة المناخات الملائمة لأي حوار.
إذا أُريد للقاءات روما النجاح، يتوجب إشراك شخصيات من خارج المجلسين (طرفي حوار روما)، وأن تتواصل الولايات المتحدة مع لجنة اتصالٍ تمثل أهل الرّقة، وأن تعيد النظر في سياسات اللامبالاة والإقصاء، ففي غير ذلك تفريط بحقوق أهلها، وفي مقدمها الحق في إدارة محافظتهم. وغير ذلك يعني تعويم منطق الاحتلال، وأي اتفاقاتٍ تنجز في هذا السياق تكريس لسيطرة قوى أجنبية، وسوف تتحمل مسؤولية ذلك جميع أطراف روما.
.. وكأن على الرقة أن تدفع أثماناً مضاعفة من أجل الحرية، وقدرها أن تُبتلى بالدواعش وأشباههم، وتجار أسواق النخاسة، وأن توضع الرّقة على مذبح جديد هذه المرة: مذبح روما!
عذراً التعليقات مغلقة