مليونا دولار و”ركام” داريا

رضوان زيادة7 سبتمبر 2017آخر تحديث :
مليونا دولار و”ركام” داريا

أقرّ مجلس الوزراء السوري، في اجتماع له أخيراً، مبلغ مليار ليرة سورية (مليونا دولار تقريباً)، من أجل إزالة الركام الذي سببه قصف المدينة المستمر أربع سنوات منذ عام 2012 وحتى 2016.

يبدو الخبر سوريالياً بعض الشيء، فالأموال التي صرفها النظام السوري من أجل تدمير المدينة تعادل هذا الرقم مئات المرات، إن لم يكن أكثر، فقد تعرّضت المدينة إلى نحو 40 ألف برميل متفجر، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. ففي إحدى إحاطاته أمام مجلس الأمن، وصف المنسق المساعد للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، مدينة داريا بأنها “عاصمة البراميل المتفجرة”.

واليوم وبعد عام تقريباً على إجبار سكان المدينة على الرحيل من بيوتهم وقراهم، مجبرين وضد رغبتهم وإرادتهم، لم يستطع النظام السوري سوى رصد مليوني دولار من أجل إزالة الركام الذي خلفه القصف الهمجي الذي قام به، فما بالك بوعوده الكاذبة بعودة 300 ألف مواطن سوري، وهم عدد سكان المدينة، إليها، وتأمين الخدمات الأساسية للمدينة من ماء وكهرباء وغيرها.

بالنسبة لسكان المدينة، لم يعودوا بحاجة للمرور مجدّداً في فخ تصديق الأسد ونظامه، فما شهدوه من أهوال خلال سنوات الحصار الأربع كافية لهم للإجابة على أي متشكّك، أو متردّد، يفكر بالعودة إلى المدينة اليوم، فلا النظام لديه القدرة على إعادة إعمار ما هدمه، ولا السكان مستعدون لنسيان من قتلهم ودمّر ممتلكاتهم، ومن ثم قام بتهجيرهم، ثم يطلب منهم العودة بكل سهولة وبساطة. إنها الرسالة الأوضح اليوم أنه بدون تحقيق انتقال سياسي لن يكون هناك حل لقضية اللاجئين والمهجّرين التي يبدو أنها تحرّك العالم اليوم أكثر من قضية الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بحق السوريين يومياً.

فالأسد الذي دمّر معظم المدن والقرى التي خرجت عن سيطرته على مدى السنوات السبع الماضية لن يستطيع إعادة إعمارها، ولا يبدو أن المجتمع الدولي أيضا مهتم بمساعدته على ذلك، فكما أن سورية اليوم أصبحت مقسّمة في سياسات المعارك بين النظام والقاعدة والكرد وروسيا وإيران والولايات المتحدة، فكل طرف “يحرّر” القطعة التي يرغب بها، حسب مصالحه التي يراها، ويبدو أنه مسؤول عن إعادة إعمارها “كل بحسب إمكاناته”.

ولما كان النظام السوري استنزف كل قدراته في تدمير المدن والقرى والبلدات، لم يبق منها ما يمكّنه من إعادة إعمارها، وهو ما يعيدنا إلى السؤال نفسه، أن من قام بالتدمير عن قصد وإرادة سياسية كاملة وسمح لمليشياته بالتعفيش لكل الممتلكات الخاصة والعامة، واستباح المدن مع سكانها، لا ينتمي إلى هذا الوطن اليوم الذي يقال له “سورية”، فسورية اليوم تحتاج نخبةً جديدةً تؤمن بها، وتخلص لسكانها ولم تتورّط في قتلهم وتهجيرهم وتشريدهم، وإلى حين وصول هذه النخبة إلى سدّة المسؤولية ستستمر التغريبة السورية بكل آلامها ومواجعها، وفي الوقت نفسه طرائفها مثل رصد مليوني دولار لإعادة إعمار مدينة كاملة، كان يسكنها قبل الحرب نحو ثلاثمائة ألف نسمة، وأصبحت الآن خاوية تماماً.

وينطبق الأمر نفسه على المدن الأخرى التي أقر لها “مجلس الوزراء السوري” مبالغ أقل أو أكثر، كما حال مدينة حلب التي كان يقطنها خمسة ملايين ساكن قبل الحرب، ولا يزيد عدد سكانها حالياً عن ثلاثمائة ألف ساكن، وبالتالي إعادة إعمار مدينة بحجم حلب ربما تكون أكبر بكثير من قدرات “مجلس الوزراء”، وهو ما لا يستطيع الاعتراف به ومصارحة السوريين بالقول إننا نستطيع التدمير بسبب قدراتنا الخاصة في الشر، لكننا لا نستطيع إعادة الإعمار، لأنها خصال لا تتوفر فينا، نحن المجتمعون في غرفة “مجلس الوزراء السوري الموقر”.

تأتي هذه الأخبار بعد عدة مبادرات، أهمها مبادرة الاتحاد الأوروبي لمبادلة الانتقال السياسي بإعادة الإعمار في سورية في مؤتمر ضخم نظمه الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران الماضي، وكان هدفه الرئيسي إرسال رسالة إلى نظام الأسد بأننا مستعدون لمبادلة وقف إطلاق النار والقبول بالحل السياسي مقابل تمويل إعادة إعمار المناطق المتضررة، بالطبع لم يكن الأسد مهتماً أو حتى معنياً بالصفقة، طالما أنها تنص على تطبيق مبدأ الانتقال السياسي، وهو ما يشكل تحدياً لاستمراره في الحكم، والذي يشكل الأولوية القصوى له وللدائرة الضيقة المحيطة به.

في مقابل ذلك، بدا الأسد مغرقاً في إعطاء الوعود لروسيا والصين وشركاتهما، بوعود إعادة الإعمار، وكأن سورية تمتلك الأموال كي تدفع لهذه الشركات في مقابل مشاريعها، وهو ما أظهرته أرقام مجلس الوزراء السوري التي تظهر ليس فقط فقر الدولة وإنهاكها التام في عملية التدمير والقتل، وأيضا غياب إرادتها السياسية في تحقيق النمو أو إعادة الإعمار، فالأسد قدم خطاباً أقل ما يوصف به بأنه “نازي” المعاني والمفاهيم، من حيث حديثه عن “نقاء” المجتمع وتطهيره وتخلصه مما يضر به، وهي السياسة التي قام عليها هتلر في التخلص من الأقليات واليهود وذوي الاحتياجات الخاصة والعرقيات الأخرى المختلفة.

وهنا لا يبدو الأسد مختلفاً كثيراً عن هتلر عند حديثه إن الأزمة ساعدت المجتمع السوري في بناء “مجتمع أكثر صحيةً”، ولذلك تبدو المقارنة اليوم بين الأسد وهتلر أو بول بوت في كمبوديا هي الأقرب، إذ يشبه ‫بشارالأسد‬ اليوم إلى حد بعيد بول بوت زعيم الخمير الحمر، والذي حكم كمبوديا من 1974 حتى دحره عسكرياً على يد فيتنام إلى الغابات عام 1979، وقد قتل أكثر من ثلاثة ملايين إنسان لأسباب أيديولوجية، فضلاً عن امتلاكه شخصية “مريضة” سادية، فكان يردد مقولة شهيرة تقريباً في كل الاجتماعات “بالحفاظ على حياتك لا نربح شيئاً وبخسرانك لا نخسر شيئاً”. كان هذا المبرر لارتكاب أبشع جرائم الإبادة التي عرفتها البشرية. كان يزور مراكز التحقيق، ويردّد “من الأفضل أن تقتل بريئاً بالخطأ من أن تدع عدواً يفلت بالخطأ”.

لا يختلف الأسد اليوم عن بول بوت أبداً، فاستخدام البراميل المتفجرة العشوائية التي فتكت بالمدنيين يومياً في كل المدن السورية تطبيق حرفي لمقولة بول بوت. وحديثه اليوم عن نقاوة المجتمع وتطهيره على أنقاض داريا التي هجر سكانها الربع مليون بالقتل والمجازر المتكرّرة والبراميل العشوائية عن أنه “مبسوط”، مترافقة مع ضحكاته المتكرّرة تكشف عن شخصية سادية نموذجية في التلذّذ بآلام الناس وعذاباتهم.

المصدر العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل