استهجن سوريون كثيرون، وغير سوريين، كلام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن النتائج “الإيجابية” للحرب التي شنها ضد الشعب السوري، وراح ضحيتها أكثر من نصف مليون قتيل، وإعاقة نحو مليونين، وتهجير أكثر من عشرة ملايين، وتدمير أهم الموروثات العمرانية التاريخية في حلب وحمص.
ما قاله الأسد يوم الأحد الماضي عن “التجانس” الذي أحدثته الحرب على صعيد تركيبة المجتمع السوري، سبق أن ورد على لسانه، ما هو أخطر منه بكثير، في حوار مع صحيفة الوطن التي تصدر من دمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما أجاب على سؤال عن آثار الحرب بقوله “أعتقد اليوم أن البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب. قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً”.
وأضاف “أعتقد بأن الحرب، على وحشيتها ومساوئها، كان لها جوانب مفيدة للمجتمع السوري من هذه الناحية. لذلك علينا ألا نقلق، إذا تمكّنا من ضرب الإرهاب، فأنا أقول لك إن ذاك المجتمع سيكون أفضل بكثير من المجتمع السوري الذي عرفناه قبل الأزمة”.
أن يكرّر الأسد الكلام نفسه اليوم، فهذا يعني أمرين. الأول، أن الحديث السابق لم يكن زلّة لسان أو شطحة خيال عابرة، بل هو يصدر عن قناعةٍ راسخةٍ عبّر عنها في صورة خلاصةٍ من خلاصاته من هذه الحرب. الثاني، أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون يتيماً، بل هو ابن سياق سياسي وثقافي، وبيئة حاضنة رعته حتى صار الأسد ينطق به، من دون خوف أو خجل.
وفي الحالين، الخطير أن هذا التفكير شكّل خلفية لسلوك الأسد الإجرامي المشين، وممارسته القتل، انطلاقاً من إيمانه بأن التطهير مهمة نبيلة، يقوم بها من أجل الوصول إلى خلطة اجتماعية جديدة “أكثر صفاء”، على حد تعبيره.
مؤكّد أن الأسد لا يقصد غير التجانس الطائفي، وهو بذلك يعلن موت الصيغة الوطنية التي جمعت السوريين تحت سقف واحد منذ قديم الزمان، حين حملت هذا الأرض إسم سورية، بغض النظر عن الطوائف والأعراق التي تعايشت فوقها.
ومهما كان القدر من المسؤولية الذي يتحمله بشار الأسد عن الجرائم التي ارتكبها تحت راية التطهير والتجانس، فإن شركاءه يجب أن لا يتم التغاضي عنهم، لاسيما وأنه لا يمكن إقناع السوريين أن ما صدر عن الأسد هو هذيان شخص مريض ومجنون، بل هو انعكاس لبيئة عائلية ومحيط طائفي محلي وإقليمي، يبدأ من رموز عائلة الأسد أنفسهم، وينسحب إلى الشركاء معهم في القتل، ويمتد إلى إيران، راعية المليشيات الطائفية التي قاتلت الشعب السوري ستة أعوام بشعارات طائفية، ومن أجل أغراضٍ طائفية، وهنا باتت مسألة الإبادة مطروحةً بقوة، وسيلةً من أجل كسب معركة التطهير الطائفي في سورية.
هناك قول شائع يُنسب إلى رفعت الأسد، صدر عنه خلال مجازر حماة وحلب في مطلع ثمانينات القرن الماضي: “هناك من يقول إن السنة أكثرية، سأقوم بتحويلهم إلى أقلية”. وهنا يبدو أن ما فشل فيه رفعت عمل ابن شقيقه بشار كي يجعل منه إنجازاً يُسجل باسمه.
يعترف الأسد بالإبادة والتهجير من دون حرج، ومن دون خوفٍ من مساءلة محلية أو خارجية، محتمياً وراء إيران، لكن هذه المسألة لا يمكن لأحد أن يسقط عنه تبعاتها القانونية والأخلاقية. سيبقى هناك سوريون يلاحقونه حتى القبر من أجل العدالة، وحقوق الضحايا الأبرياء الذين جرى قتلهم أو تشريدهم على يده، ومن سانده في هذه الجرائم التي لم تشهد البشرية لها مثيلاً.
عذراً التعليقات مغلقة