* سمر بدر
في أيام الإعدادية ذهبت إلى مكتبة برفقة اختي وصديقتها وأخذت كتاباً عن سجن أبو غريب وجلست لوحدي أقرأ.
الكتاب كان يتكلم عن انتهاكات جسدية وجنسية، وكانت المعلومات مرفقة بصور لكلاب تنهش أجساد مسجونين عراة تماماً، والجنود الأمريكيون يبتسمون للكاميرا.
في الوقت نفسه كنت أسمع إحدى الفتيات تسأل بصوت منخفض عن كتاب للغة العربية، لكن على ما أذكر أن كاتبه كان مدرجاً في قائمة الأسماء الممنوعة تداول إصداراتها، لأن فكر كاتبه يعارض الوطن..!
عندما جاءت صديقة أختي من أجل أن نذهب، أغلقت الكتاب وأخفيت عنوانه كأنه سرٌ، وتركته على الطاولة، لأنني لم أستطع أن أعيده مكانه.
عندما عدت إلى المنزل كانت ذاكرتي تستعيد تلك الصور و كأنها أمامي، ترافقني في كل مكان أذهبه، لدرجة أنني امتنعت عن الأكل لفترة و مرضت لسبب تجهله أمي.
عندما خرجت أمريكا من العراق فرحت مثلما فرح غيري وقتها، لم نكن نعرف أن الوطن العربي سيتحول إلى سجن مفتوح، وأننا كعرب أو مساجين مصيرنا أن نموت باغتيالات تطالك حتى في بيتك.
وبالمناسبة لا بيت لك.. ستتحول إلى لاجئ أو نازح أو غريق.. أو بأحسن الأحوال ستتحول إلى باحث عن فرصة عمل في جريدة ذلك “الوطن”.
لا أدري أي وطن.. لكنك ستفطر على النشيد الوطني، وستسمع خطاب أحد الرؤساء في المذياع، وأنت في طريقك الطويل في إحدى المواصلات البائسة، بالمختصر سيتزوجك الوطن غصباً عنك، بقدر ما ابتعدت عنه، إذ لا طلاق بعده.
سيتزوجك بدون حب، ولأنك زوجه ستدافع عنه وستصمت إن نعته أحد أمامك بما هو فيه.. و سنعذب بوسائل تعذيبية أهونها أن تنقطع الكهرباء تماماً ولمدة عام وأكثر، وفي ظل ذلك تعيش دول أخرى على عذاباتنا، مثل الصين التي تخترع بدائل على شكل ألواح شمسية أو موالدت.
مع الوقت تكتشف أنك تعيش على بدائل، و أحلامك تعتبر أساسيات وبديهيات متاحة بالنسبة لمواطني دول أخرى، وبأبسط الأحوال بجملة لأمك مثل: “إذا مافي بقدونس جيب كزبرة”!!
وأنت تعيش كل هذا .. قد تبكي.. وقد لا تجد دموعاً.. وأنت تصل إلى قناعة أن سجن “أبو غريب” كان نزهة، حين تشاهد وطناً ضاق.. ثم ضاق.. في السنوات الأخيرة ليصبح كله “أبو غريب”!
عذراً التعليقات مغلقة