* خطار أبو دياب
يبدو حصاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السياسة الخارجية متواضعاً بعد نصف سنة على وصوله إلى رئاسة قوة عظمى في نظام دولي مرتبك، ويمكن القول بدقة أنه مقابل الكثير من الضجيج والإثارة، هناك القليل من النتائج.
ومن الواضح أن إبداء الآراء وإصدار التوجيهات عبر تغريدات تويتر، والتراجع عن بعضها أو تغيير الرأي بشأن مواقف أخرى، يجعل من الصعب الإحاطة بالقرار الرئاسي مع التعثر جراء فضيحة روسيا غيت وعدم القدرة على إبراز إستراتيجية متكاملة جرى انتظار بلورتها بعد مئة يوم على تبوأ منصب الرئاسة، فإذ بستة أشهر لا تكفي كي يخرج الدخان الأبيض من البيت الأبيض.
ومما لا شك فيه أن الشرق الأوسط أحد أبرز مسارح الصراع الدولي والسياسة الخارجية الأميركية منذ عقود من الزمن، يعتبر من ضحايا متاهات الترامبية.
يظهر أن الرئيس المبتدئ في ميدان السياسة الدولية، يتصدى لإشكالات وقضايا زمن تصدع العولمة واحتدام التنافس الاقتصادي والاضطراب الاستراتيجي استنادا إلى طبيعته الشخصية الاستثنائية والمتقلبة وخلفيته كرجل أعمال يفتش دوماً عن الصفقة الأفضل. لكن في مواجهة نظرائه وخاصة المؤثرون بينهم (زعماء الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا) يبدو ترامب سهل التأثر في بعض الحالات وشخصية لا يمكن التنبؤ بخياراتها غالباً.
وعلى وقع الممارسة تبرز تباينات ملياردير مانهاتن الذي يتبع خط مدرسة انعزالية تاريخية، أميركا أولا، ولكنه يريد في نفس الوقت إعادة قوة أميركا مما يلزمه السعي لوقف التراجع الأميركي حول العالم، وهذا لا يبدو أن دربه يسيرة.
لا يمكن اختصار كل السياسة الخارجية الأميركية بشخص الرئيس بالرغم من دوره الحاسم في أعلى سلم القرار، لأن عملية صنع هذه السيـاسة تتسم بالتعقيد والتشابك لتداخل صلاحيات الرئاسة والكونغرس وتأثير أكثر من مؤسسة رسمية (أجهزة الخارجية والدفاع والأمن) وغير رسمية (جماعات الضغط ومـراكز الأبحاث على سبيل المثال)، لا سيما وأن الدستور لم يحدد أدوارا محددة لكل مؤسسة من المؤسسات المشاركة والمؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية.
وربما بالإضافة إلى متابعة حراك المحيط العائلي (إيفانكا ترامب وجاريد كوشنر) يمكن من خلال متابعة محيط الرئيس ترامب المؤسساتي فهم أفضل للقاعدة التي ينطلق منها البيت الأبيض.
في أواخر مايو الماضي وعند أول جولة خارجية للرئيس، طالعنا مستشاره للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر ومستشاره الاقتصادي غاري كون بمقالة شرحا فيها عقيدة الرئيس الخارجية وقالا تحديداً “من دون إنكار طبيعة الشؤون الدولية لا ينظر الرئيس دونالد ترامب للعالم على أنـه مجتمع دولي شمولي، بل إنـه الميدان الذي تتواجد فيه وتتفاعل الأمم والجهات غير الحكومية والشركات التي تتنافس من أجل إحراز المكاسب”.
إنها الأولوية الاقتصادية في المقام الأول على حساب القيم والاستمرارية في السياسات الرئيسية. ولهـذا انبرى تـرامب للإطاحة بإرث سلفه باراك أوباما، من دون أن يتمكن حتى الآن من ربط إصلاح تشريعي كبير باسمه (المثل المعبر عن الفشل في التوصل لإصلاح التأمين الصحي بديلاً عن أوباما كير) وهكذا مع عدم النجاح في تلبية الوعود الانتخابية كانت فترة السماح قصيرة وانخفضت شعبية الرئيس إلى معدل 40 بالمئة.
تتابعت سبحة الإلغاءات والمراجعات: إلغاء الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادئ (TPP)، الانسحاب من اتفاقية باريس حول مكافحة التغير المناخي، إعادة التفاوض باتفاق التبادل الحر الأميركي الشمالي مع المكسيك وكندا، مراجعة الانفتاح على كوبا، تخفيض الإسهام المالي في ميزانيات الأمم المتحدة، والضغط على الشركاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، لكن مقابل ذلك نلاحظ أن الكثير من الوعود في السياسة الخارجية يصعب تطبيقها مثل معاقبة الصين بسبب عدم التزامها قواعد نظام الصرف أو إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وكذلك نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
إزاء اللعبة الدولية ومتغيّراتها، عوّل ترامب على الحوار المباشر والكيمياء الشخصية في الحصول على بعض ما يبتغيه. لكن من الناحية العملية، أصبح الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي دعاه الرئيس الأميركي إلى مقره الشخصي في فلوريدا “صديقا” سرعان ما غضب منه ترامب بعد عدم ممارسته الضغوط الفعالة على المشاغب الكوري الشمالي كيم جونغ أون، مما حدا بواشنطن لبدء إجراءات ضد المصارف الصينية وفتح ملف الفولاذ الصيني المهدد بعقوبات جمركية.
في موازاة هذا الإحراج الترامبي حيال الملف الكوري الشمالي الشائك، بقي الشرق الأوسط بمثابة الضيف الثقيل الذي حل على الرئيس ترامب منذ بداية ولايته، وعلى مسارحه تبدو الحصيلة مقبولة بالنسبة لترامب حيث النجاحات الاقتصادية والاستراتيجية إثر زيارة الرياض في مايو، أو الإنجازات في الحرب ضد داعش.
في المقابل يبدو الرهان على التفاهم مع الرئيس الروسي خاصة بعد القمة الأخيرة في هامبورغ مثقلاً بالملفات الدولية الخلافية بين الجانبين وشبح روسيا غيت في الداخل الأميركي.
في مطلق الأحوال، إن حيال الصين أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي أو اللاعبين في الشرق الأوسط، هناك افتقاد للمقاربة الشاملة والمتماسكة ولا تكفي العمليات الاستعراضية لسد النقص ومنها ضربة مطار الشعيرات في سوريا أو العقوبات ضد إيران أو نشر أنظمة دفاع صاروخي من كوريا الجنوبية إلى شرق أوروبا، ففي ذلك استمرار لخطط الإدارة السابقة.
كان هناك رهان على أن تكون قمم الرياض مدخلا لانقلاب في المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط والخليج. لكن من يلاحظ تمدد إيران من دون عائق، والمعالجة الأميركية الملتوية لأزمة قطر، لا يمكنه استنتاج حصول تحول ملموس في سياسات واشنطن.
في هذا الإطار الإقليمي، يشكل التوتر حول المسجد الأقصى ومرحلة ما بعد داعش في سوريا والعراق، وآفاق المسألة الكردية وتفاعلات الأزمة الخليجية وحرب اليمن اختبارات ملموسة لإدارة ترامب على المدى القصير.
بعد الاتفـاق الأميـركي- الروسي- الأردنـي حول وقف إطلاق النار في الجنوب الغربي من سوريا، ووضع مصير بشار الأسد والحل السياسي في سوريا بيد روسيا، أتت خطوة إلغاء برنامج تسليح المعارضة السورية الرمـزي والمحدود الذي أطلقته وكالة المخابرات المركزية، ليكشف عن مأزق أميركي مع الحليف التركي المغتاظ من الرهان الأميركي على الأكراد، لكنه حسب السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنـوبية ليندسي غراهام “أشبه بالاستسلام الكامل للأسد وروسيا وإيران”.
هكذا كانت بدايات الترامبية في رمال السياسة الدولية المتحركة من دون ترك بصمات ملموسة حتى الآن.
- نقلاً عن: العرب اللندنية
عذراً التعليقات مغلقة