ينتشر داء اللشمانيا على نطاق واسع في ريف محافظة حماة السورية وسط أوضاع بيئية وصحية متدهورة جراء الدمار الذي أحدثه القصف، وأحصت هيئات محلية مئات الإصابات خلال بضعة أسابيع، وينتقل الداء عبر ذبابة الرمل، وتعجز الجهات الطبية المحلية عن وقفه.
أصيب الطفل محمود العموري ذو الستة أعوام الذي يسكن مع عائلته في مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي (وسط سوريا) بداء اللشمانيا أو ما يعرف محليا بحبة السنة أو حبة حلب، فقد استيقظ محمود ذات صباح على آثار لسعة تركت بقعة صغيرة رأسها أحمر بدأ يكبر تدريجيا، مما سبب ندبة كبيرة شوهت جفنه الأيمن.
بعد مرور أشهر كانت عائلة محمود قد رفضت مغادرة المدينة إلى مخيمات النزوح قرب الحدود التركية بل أصرت على العيش في منزلها الذي تصدع بعد قصف مدينتها بالبراميل المتفجرة من قبل جيش النظام السوري.
بدأ محمود بارتياد المشفى الوحيد الناجي من القصف في المدينة لتلقي العلاج بصحبة والده الذي يعمل مزارعا ويعاني مثل معظم سكان مدينته من شظف العيش، إذ إن العمل بالزراعة له مخاطره الكبيرة لأن حواجز جيش النظام تطل على معظم الأراضي الزراعية هناك.
في الوقت الذي علم والد محمود بإصابة ابنته سارة التي بلغ عمرها عشرة أعوام بنفس الداء بعد تعرضها للسعة في أنفها أخبرته إدارة المشفى -الذي انهارت أجزاؤه العلوية بعد استهدافه من قبل مقاتلة روسية- بانقطاع العلاج المناسب بسبب زيادة وتيرة القصف على المدينة، مما أسفر عن ازدياد حالة شقيقها محمود سوءا.
إصابة فمعاناة
بدأت الندبة تكبر أكثر، وكذلك بدأ محمود يخجل لدى اللعب مع أقرانه فصار ينطوي على نفسه مفضلا البقاء مع والدته التي ظلت تخبره بأن هذه الندبة سرعان ما ستزول ليعود إلى حياته الطبيعية، لكنها في الحقيقة بقيت طويلا وفرضت على محمود شكل حياة جديدة لا تقل مأساوية عن الخوف المستمر الذي يعيشه كلما سمع صوت مقاتلة حربية في الأجواء.
ويقول الدكتور منور معيوف الذي أشرف على علاج حالة محمود إن الانقطاع في تلقي جلسات الدواء جعل الحالة مستعصية ولا تستجيب للدواء، مما يعني أنها ستحتاج لجلسات أكثر أو دواء ذي فعالية أكبر، وهو غير متوفر في المدينة.
وأضاف عيوف أن هناك حالات كثيرة مثل حالة محمود وشقيقته سارة، داعيا المنظمات الإنسانية إلى مد يد العون لهم لمواجهة هذا الداء ومكافحة سببه، وهي ذبابة الرمل التي تعد العامل الناقل للمرض، خاصة بعد الهدوء الذي شهدته الأوضاع مؤخرا.
أسباب الداء
وعن أسباب انتشار داء اللشمانيا قال عضو المجلس المحلي في مدينة كفرزيتا حسن الأعرج إن الركام والدمار المنتشر في المدينة والبيوت المهجورة مثلت بيئة مناسبة لتكاثر ذبابة الرمل، كما صعبت مهمة القضاء عليها، فالعائلات الموجودة في المدينة تعيش بين ركام البيوت المدمرة، وهناك عائلات كثيرة أعادت ترميم منازلها بشكل بدائي فمثلت هذه البيوت بيئة مناسبة لانتشار الحشرات والقوارض.
وأوضح الأعرج أن هناك جهودا بذلت من قبل المجلس المحلي لمكافحة هذه الحشرة من خلال رش المدينة بالمبيدات الحشرية، لكن هذه المبيدات -التي استطاع المجلس تأمينها- مفعولها ضعيف وكميتها قليلة.
وكانت مديرية صحة “حماة الحرة” -التي تعمل في أرياف حماه الشمالية والشرقية والغربية الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة- قد نشرت إحصائية تضمنت وجود 1524 حالة مصابة بداء اللشمانيا راجعت المشافي والمراكز الصحية والعيادات المتنقلة التابعة للمديرية خلال مايو/أيار الماضي.
كما وثقت المديرية وجود 1016 حالة جديدة أصيبت خلال الشهر نفسه، وتسعمئة مصاب بداء اللشمانيا في مدينة كفرزيتا وحدها، في حين لا تتوفر إحصائية دقيقة عن عدد المصابين الكلي في مناطق محافظة حماة الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة.
- المصدر : الجزيرة
عذراً التعليقات مغلقة