يحدث في الإعلام العربي

فاطمة ياسين20 يونيو 2017آخر تحديث :
يحدث في الإعلام العربي

* فاطمة ياسين

عصفت رياح الاختلاف بين بلدان الخليج العربي، وصار المشاهد العربي الجالس خلف شاشة التلفزيون مهيأً لابتلاع كل ما سيرد على قنوات الإعلام العربية، من دون الشعور بـ “الصدمة”، حتى لو عرض مقدّم نشرة الأخبار أحداثاً متناقضة على أنها حقائق جرت في الوقت نفسه، من دون أن يعطى لعامل الزمن الفرصة، لكي يغير المفاهيم التي دأبت عليها هذه المحطة التلفزيونية أو تلك منذ التأسيس.

تُفرد القنوات العربية ساعاتها لمحاربة خصومها السياسيين، أما نقل الخبر فيصبح أمراً ثانوياً في ميزان الأولويات الإعلامية. قد يكون العدو هنا شقيقاً عربيا، لطالما تغنينا بوقوفنا معاً في المحن الاقتصادية والسياسية.

اللعب على المتناقضات، مع الإصرار على شرح المصطلحات الكلامية بعيداً عما متعارف عليه، هو أسلوب المحللين المحنكّين الذين سيؤكدون الفرق بين المقاطعة الاقتصادية والحصار الذي قامت به دول خليجية ضد قطر، من دون أن ينسوا القول إن الهدف سياسي، وليس المواطنون القطريون هم المستهدفون من حجب بضائع وسلع أساسية عنهم. لن ينفي وزير دولة شقيقة الخبر، لكنه سيصوبه للمذيع، ليبدو أكثر حكمةً بشكلٍ يذكّرنا بتأكيد رأس النظام السوري، بشار الأسد، على تفنيد المصطلحات، واختيار ما هو أقل وقعاً على أذن المتلقي، خصوصاً إذا كان الكلام موجهاً إلى الخارج.

لم يكن إعلام الدكتاتوريات في سورية وليبيا ومصر حالةً غريبة عما تقوم به اليوم قنوات تدّعي الحرفية المهنية، فتحولت من نقل مناسبات الترحيب والاستقبال وتوقيع الاتفاقيات مع “الحليف” إلى ملاحقة أخبار “العدو” الذي تملك أسراره الخطيرة، واحتفظت بها عقوداً، وارتأت اليوم أنه حان موعد إفشائها.. يبدو الاهتمام بالحرفة كبيراً لدى قنوات مثل العربية وسكاي نيوز. وقد تأكدت من حذف جميع الفيديوهات التي كانت تحيي الشراكة الخليجية مع قطر على مواقع تلك القنوات. اختفت التحية التي وردت من مسؤولين سعوديين وإماراتيين، ولم ينس القائمون على القنوات المذكورة أي فيديو يمتدح دولة “العدو”، فصارت مواقع القناتين تتنقل بين حياد قديم وعداوة مستجدة، بخلاف قنواتٍ أخرى أكثر بساطةً، كالإخبارية السعودية وأشباهها.

هناك تُرك كل شيء على حاله، ربما كان السبب كسل الموظفين أو حالة تقشف معلنة، تمنع تشغيل عمال الموقع بطاقةٍ إضافيةٍ، لن تغطيها مكافأة مالية مجزية، أو ليقين المسؤولين عن مواقع تلك القنوات أنها غير متابَعة، وهم يملكون نسب مشاهداتٍ وتفاعلا دون الحد المعقول. أما الأولى المنعمة بطاقات تشغيلية ضخمة فقد استطاعت مسح كل فيديو يعرض أي حدثٍ ودّي تم برعاية دولة قطر، فاختفت مثلاً المقاطع المصورة عن القمة الخليجية 2014 التي جرت في الدوحة، وامتدح فيها ملوك الدول الخليجية وأمراؤها سياسة قطر وشراكتها، على الرغم من أن قنوات إخبارية كهذه كانت قد غطت المؤتمر لحظة بلحظة، لكنها اليوم لا تحتوي حتى على كلمات الوفود المشاركة! من دون إغفال شطب المقابلات التلفزيونية واللقاءات العابرة على مر سني التأسيس التي تؤكد وحدة حال بلدان الخليج كله.

يذكّرنا المسح المدروس للأرشيف الإعلامي بما كتب عنه جورج أوريل في روايته “1984”، حيث يكلف البطل بإتلاف الصحف القديمة التي تتحدث عما يخالف التآلفات المستجدة يوماً بعد يوم. لكن حذف الفيديوهات من المواقع الإلكترونية يبدو أسهل من إتلافها بمحرقة ورق كبيرة، وإعادة صياغة أخرى جديدة بتاريخ قديم. وهذا يُدان به لمخترعي التقنية الرقمية التي سهلت عمليات الحفظ والإتلاف. يجري ذلك، وكأن القائم على الإعلام يظن أنه يستطيع السيطرة على ذاكرة الشعوب، بمجرد تكليف موظفيه بمباشرة الحذف.

تغير الموقف السياسي لا يعني نسف الماضي، ومسحه بالقوة كأنه لم يكن. وإذا كان الوضع الماضي سيئا إلى هذا الحد، ويستوجب هذا العداء الساحق على الشاشات، يحق لنا السؤال عن فائدة الإعلام “المهني”، إذا كان يسكت عن الحقائق، ويخفيها عقوداً، طالما أنها تصدر عمن كان حليفا أو شقيقا.

  • نقلاً عن: العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل