لم يعد نفوذ “حزب الله” اللبناني في العراق يقتصر على السلاح أو الشق العسكري فقط أو النفوذ السياسي. فاستثماراته التي بدأت منذ عام 2006 في بغداد ومدن عدة جنوب البلاد، خلال زمن رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي فتح الباب على مصراعيه لرجال الأعمال اللبنانيين المرتبطين بالحزب، جعلته يملك ما يمكن اعتباره سلطة مطلقة النفوذ، من حيث القوة السياسية والمال والتواجد المسلح للحزب على جبهات القتال مع الفصائل المسلحة التابعة لإيران، ممثلة بمليشيات “الحشد الشعبي”. وليس بالأمر السهل رصد كافة القطاعات التي استطاع الحزب اللبناني اختراقها اقتصادياً في بلد ثرواته هائلة مثل العراق، إذا ما أراد الصحافي تفادي التعميم الصحافي المضلِّل من خلال خلط استثمارات اللبنانيين عموماً بأعمال رجال الحزب، وخصوصاً أن معظم المصالح الاقتصادية التي ترتبط بحزب الله مباشرة أو غير مباشرة في العراق، تجري محاولة إبعادها عن الضوء بقدر الإمكان، لأسباب عديدة، منها تفادي شمولها بلوائح العقوبات الأميركية والغربية عموماً ضد كل ما يتعلق بحزب الله وبالمرتبطين به. من هنا، يحاول حزب الله إيجاد رجال أعمال ومستثمرين “لا شبهة” عليهم لناحية الارتباط بالحزب، وذلك لتمرير مشاريع اقتصادية كبيرة من خلالهم، وغالباً ما تنتقل ملكية المشاريع من اسم إلى آخر، في جهد يكاد يكون يومياً لمحاولة إبعاد الأنظار و”الشبهات” عن استثمارات حزب الله ومصادر تمويله الكثيرة، وهو ما يحصل في بلاد الرافدين وسواها.
وتحدث مسؤولون في حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ومصادر سياسية عراقية، لـ”العربي الجديد”، عن تفاصيل بدت متطابقة إلى حد كبير. فقد نجحت الشركات، التي يملكها لبنانيون ينتمون إلى “حزب الله”، في السيطرة على عقود استثمار وتنمية ضمن خطة بغداد 2016، شملت مشاريع إعمار وعقود تجهيز دوائر ومؤسسات وتراخيص في القطاع السياحي في البلاد، فضلاً عن عقود تجهيز مواد غذائية تابعة لوزارة التجارة العراقية، بأكثر من 312 مليون دولار، ما يجعلها تتفوق على شركات أخرى تعمل في بغداد، وتتبع للإمارات وتركيا ومصر والصين.
إلا أن هناك من يؤكد أن استثمارات الحزب أوسع بكثير في قطاعات أخرى غير مرصودة، كقطاع الفنادق والمطاعم السياحية ومكاتب الاستيفاء الجمركي التي تعمل لصالح الحكومة لقاء رسوم مالية تبلغ واحداً في المائة. وبرزت أسماء عدة لرجال أعمال لبنانيين تخطوا صفة رجل أعمال عربي أو مستثمر، إلى كونهم أصحاب نفوذ كبير في بغداد، عبر التدخل، أخيراً، في مصالحات بين سياسيين عراقيين والتوسط لتعيين ضباط وإقالة آخرين، وحتى إطلاق سراح متهمين بالفساد، ويرجح أنهم تقاضوا مبالغ مالية لقاء خدماتهم تلك بسبب قربهم من دوائر صنع القرار في العراق، من بينهم على سبيل المثال أدهم طباجة، ومحمد حسين، وعلي دقوق، وسليم كوثراني، وكريم سلمي، وعقيل عطوي، وزهير إبراهيم، وشركات مثل “الإنماء”، و”كار سنتر” للسيارات، و”الموسوي للتجارة العامة”، وفي مجال المطاعم والاستراحات أيضاً، مثل علي حليمة، وحيدر بدر، وغيرهم. ويعتبر جانب الرصافة من بغداد المعقل الرئيس لـ”حزب الله” اللبناني، عبر شركاته التي تحمل جميعها أسماءً عراقية، مثل الرافدين، ونسيم المقام، وضفاف دجلة، والموسوي، باستثناء شركة نقل سياحية للوفود الدينية تعرف باسم شركة جبل لبنان، وتقع في منطقة الكرادة قرب مجمع المنطاد التجاري، الذي تعرض قبل عام لهجوم إرهابي تبناه تنظيم “داعش”، وذهب ضحيته نحو 600 مدني بين قتيل وجريح.
ومن أبرز استثمارات الحزب، التي ترتبط بشكل وثيق بمصارف إسلامية عراقية وإيرانية، مثل الهدى، وإيلاف، والبلاد الوطني الإسلامي، والجنوب الإسلامي، هو فندق “كورال”، ذو الأربع نجوم، المملوك لشركة “وروك”، المسجلة في وزارة التخطيط على أنها شركة فرنسية، إلا أنها لا تمتلك أية قاعدة بيانات ضمن الشركات الفرنسية المعتمدة لدى باريس. ويملك الشركة لبناني يحمل الجنسية الفرنسية، يلقب باسم الحاج أبو ياسين، وهي تدير أيضاً فندق “بابل” عبر كريم نوري، أحد أعضاء “حزب الله” الناشطين في بغداد. ويعتبر فندق “كورال” مقر اجتماعات وفعاليات الأحزاب السياسية والمليشيات في العراق، وتتم فيه استضافة وفود الحوثيين والمعارضة البحرينية وشخصيات سورية ضمن نظام بشار الأسد، وفقا لمسؤولين في الحكومة العراقية، أكدوا أن إدارة وكوادر تلك الشركة والفندقين هي لبنانية وسورية. كما أن تلك الفنادق استثنيت من قرارات عدة تتعلق بالملف الأمني، بينها قاعدة بيانات النزلاء التي يجب أن تقدم بشكل دوري إلى قيادة عمليات بغداد. كما حصل الحزب على عقود استثمار ضمن خطة تنمية وإعمار بغداد، كان آخرها تأهيل بناية وزارة التخطيط ومركز الاتصالات في الحارثية، ومقر بدالة العلوية، وبناء جسر العلاوي، وسط بغداد، بالإضافة إلى عقود تجهيز الشركات والمؤسسات الحكومية بالمحابر وأثاث المكاتب والأجهزة الإلكترونية، فضلاً عن شركات السياحة الدينية بين بغداد ودمشق وبيروت وطهران، وست شركات للتحويل المالي، باتت تنافس شركتي “الطيف” و”ويسترن يونيون” المعتمدة في العراق.
ويتمتع “حزب الله” اللبناني بسلطة سياسية كبيرة في العراق من خلال علاقته الوطيدة بالحكومة وكثير من أعضاء البرلمان، بحسب قيادي في “التحالف الوطني” الحاكم، أكد، لـ”العربي الجديد”، أن الحزب اللبناني يتدخل في كثير من القرارات، خصوصاً الخارجية منها، مبيناً أن له رأياً هاماً ومؤثراً في الأمور التي تحدد علاقة العراق بإيران، ومساندة نظام بشار الأسد، وتقديم الدعم للجماعات والحركات المسلحة في اليمن والبحرين، فضلاً عن علاقة العراق بدول عربية عدة. وأضاف “عن طريق حزب الله تم التنسيق لزيارة وفود من الحوثيين إلى العراق أكثر من مرة العام الماضي، كما أن قياداته ساهمت بشكل كبير في التوسط لحل الخلافات (الشيعية -الشيعية)، من خلال ترتيب لقاءات بين الفرقاء في العاصمة اللبنانية بيروت”. وأكد أن الحزب يبذل جهوداً كبيرة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في التحالف الوطني الحاكم، وهو ما يجعله بمثابة بيضة القبان الضرورية بين تلك الأحزاب. ويمتلك الحزب في بغداد أكبر مقر لفضائية عراقية، هو مقر قناة “الاتجاه” الفضائية، الواقع في حي العرصات، فضلاً عن وكالتين إخباريتين، هما “الاتجاه برس” و”المعلومة”، بالإضافة إلى مركزي بحوث وتدريب إعلامي ضمن النادي اللبناني في بغداد.
- نقلاً عن: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة