نشر موقع “war on the rocks” مقالاً عن توابع قيام القوات الأمريكية بضرب مليشيات تقاتل مع قوات الأسد ثلاث مرات، في منطقة التنف الحدودية التي تتدرب فيها فصائل من الجيش الحر لقتال تنظيم داعش.
وبحسب المقال ففي جميع المرات، قيل إن الضربات لم تكن سوى تدابير لحماية هذه الفصائل، ولم يشر إلى تغيير كبير في سياسة الولايات المتحدة.
وقد صرح الجنرال الأمريكي “جوزيف دونفورد” رئيس هيئة الاركان المشتركة بشأن هذه الضربات في 19 أيار/ مايو بعد يوم واحد من الضربة الأولى قائلاً للصحفيين “إن ذلك كان ضربة لحماية القوى. ورأى قادتنا على الأرض أنهم مهددون في تلك المرحلة. وان قواعد الاشتباك تسمح لهم بذلك “.
واعتبر كاتب المقال أنه على الرغم من الجهود المبذولة لتصوير هذه الضربات كرد فعل لمرة واحدة على الاستفزازات من قبل المليشيات التي تقاتل مع قوات الأسد، إلا أن هذه الهجمات تهدد بتوسيع أهداف الحملة العسكرية استراتيجياً وسياسياً التي تهدف حالياً فقط إلى هزيمة تنظيم داعش.
ورأى الكاتب أن القوات الأمريكية تتخذ الحماية ذريعة لهجماتها ضد المليشيات الإيرانية ولإملاء استراتجيتها، إلا أن ذلك ” قد يخاطر بتصعيد أوسع”.
ومنذ تولي ترامب الرئاسة، تبنت إدارته نهجاً أكثر عدوانية تجاه إيران، وفي منتصف نيسان / أبريل، كتب “إيلي ليك”، وهو كاتب عمود في بلومبرغ، نقاشاً دار داخل البيت الأبيض حول تصعيد الوجود العسكري الأمريكي على طول نهر الفرات الذي يصل بين سوريا والعراق.
ويدعو الجيش الأمريكي إلى اتخاذ مدينة بوكمال الحدودية مع العراق، لبناء قوات ذات أغلبية سنية عربية، وذلك لإخلاء وادي نهر الفرات، والضغط على إيران، وتقويض الدعم للعناصر الجهادية داخل المعارضة السورية.
ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن “إدارة ترامب تستكشف سبل لكسر التحالف العسكري والدبلوماسي الروسي مع إيران في محاولة لإنهاء الصراع السوري وتعزيز القتال ضد الدولة الإسلامية …” وقد ورد أن مستشار الأمن القومي السابق مايك فلين دفع البنتاغون لتوسيع الاتفاق مع روسيا لتنظيم العمليات في المجال الجوي السوري، إلى توجيه ضربات مشتركة على تنظيم داعش. هذا الاقتراح كان من شأنه أن ينتهك قانون الولايات المتحدة، ولكنه مع ذلك يتناسب سياسة إدارة ترامب في التعاون مع روسيا ضد داعش، وذلك باعتبارها قوة عسكرية بارزة في العالم.
وبذلك فإن الولايات المتحدة تحتفظ بخيارات لتصعيد مشاركتها في الصراع المدني السوري، إما من خلال زيادة وجودها البري لتدريب المزيد من المقاتلين، أو التهديد باستخدام القوة العسكرية في محاولة لإجبار حكومة الأسد وداعميها على تغيير سياساتها.
ومع ذلك، وكما ينبغي أن يكون واضحاً في عالم ما بعد 11 أيلول / سبتمبر، فإن استخدام القوة العسكرية ليس بعيداً، ويستلزم سلسلة من المقايضات التي تكرر صداعها في جميع أنحاء العالم. وعلى هذا النحو، ينبغي تحديد موازنة للتكاليف وأي إجراءات مقترحة ترمي إلى تحقيق هدف تكتيكي (أي تدريب المزيد من القوى أو تغييرات جذرية في السلوك الإيراني)، وفيما إذا كانت هذه التكاليف تتناسب مع تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرتبطة سوريا وإيران وروسيا.
و تتمتع الولايات المتحدة على الجانب الآخر من الحدود السورية العراقية بخبرة واسعة لقتال الميليشيات الشيعية من خلال قتالها لتنظيم داعش. وينبغي أن يكون القادة العسكريون الحاليون والسابقون في الولايات المتحدة – بمن فيهم أولئك العاملين الآن في حكومة الرئيس دونالد ترامب – قد توصلوا إلى الاحتياجات من الموارد اللازمة للحفاظ على هذا الهجوم ذي الشقين.
وبحسب كاتب المقال فإن هذا التوسع في استراتيجية الولايات المتحدة وتغيير خطها السياسي يمكن أن يضعها في مواجهة تحديات خطيرة، فيما إذا قررت توسيع أهداف عملية مكافحة تنظيم داعش الحالية لتشمل الميليشيات الشيعية، رغم أنه ليس من الواضح كيف لهذا القرار أن يخدم مصالح الولايات المتحدة على نطاق أوسع في سوريا أو في الشرق الأوسط.
بعبارة أخرى، يجب أن تكون الضغوط المتزايدة على المليشيات التابعة لإيران مرتبطة بنتائج سياسية يمكن تحقيقها تتفق مع استراتيجية إقليمية، وليس مجرد نشرها كتكتيك للدفاع عن حامية (التنف) في الصحراء السورية.
ففي التنف يحدث العكس، فالتكتيكات تقود استراتيجية، وتهدد بتصعيد غير مدروس بدون هدف سياسي محدد. ولتحديد استراتيجية ولتقدير تكاليف التصعيد مع إيران، يجب على صناع القرار أن يأخذوا بعين الاعتبار القيود المفروضة على القوات الأمريكية والتكاليف والمخاطر المتوقعة على خلفية التصعيد ونوايا روسيا وإيران في سوريا، وما إذا كانت الإجراءات الأمريكية ستسهم في هزيمة تنظيم داعش.
وتكمن أهمية منطقة التنف في الجهود المبذولة فيها والتي ترتبط بعمليات واسعة النطاق للسيطرة على المعقل الرئيسي لتنظيم داعش في البوكمال وغيرها من المدن على طول نهر الفرات، وحماية المنطقة التي تتواجد فيها الولايات المتحدة لتدريب مقاتلين، كما أن تقع على طريق دولي يربط دمشق ببغداد، وبالتالي، فإنها طريق بري مهم لإيران لحركة المقاتلين والعتاد إلى سوريا والعراق، وأيضاً إلى لبنان.
الأمر الذي يجعلها موقعاً استراتيجياً للولايات المتحدة وجهودها في السيطرة على الحدود السورية العراقية لمنع تنظيم داعش من عبور الحدود بين الصحراء العراقية والسورية المجاورة.
وكانت الولايات المتحدة لديها قوات قرب التنف منذ آذار/مارس على الأقل 2016، وتحركت الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة عبر الحدود بدعم من التحالف ضد تنظيم داعش، واستولت بدعم جوي على معبر حدودي هام لقطع خطوط الإمداد التابعة للتنظيم إلى العراق، ثم قامت تدريب قوات للتحرك شمالا نحو البوكمال.
والوجود الأمريكي مع المجموعات التي تقاتل تحت راية الجيش السوري الحر بالقرب من التنف هو جزء من برنامج التجهيز، أو ما يسمى بسلطات 1209، المفصلة في قانون تفويض الدفاع الوطني (السنة المالية 2015). والتي بموجبها تسمح بمساعدة الولايات المتحدة فى الدفاع عن المناطق التى تسيطر عليها هذه القوات. لكن الأمر هنا يقتصر على مساعدتها فقط في القتال ضد التنظيم، وليس الخصوم الآخرين مثل قوات الأسد أو المليشيات المتحالفة معها. ولم يتم بعد تسوية هذه المسألة.
وسعت إدارة ترامب في هذه المنطقة إلى تسريع تدريب القوات المحلية في المنطقة، منذ تموز/ يوليو 2016، من خلال وجود القوات الخاصة الأمريكية، والخدمة الجوية الخاصة البريطانية، والقوات المتحالفة الأخرى، بشكل غير يومي في المنطقة لتدريب المقاتلين، رغم أن التفاصيل تشير إلى وجود دائم للجنود الذين يتناوبون عبر القاعدة العسكرية هناك.
التواصل مع روسيا: طرح الافتراضات الرئيسية
إن جهود إدارة ترامب للعمل مع روسيا تشبه إلى حد كبير إدارة أوباما للتواصل مع موسكو في محاولة لإيجاد قضية مشتركة حول مستقبل بشار الأسد. والفرق الرئيسي هو أن إدارة ترامب قد ربطت نهجها الأكثر عدوانية تجاه إيران لسياسة روسيا الأوسع نطاقا. ولذلك، سعت إدارة ترامب إلى استخدام مصلحة مشتركة في مكافحة الإرهاب ك”جزرة” لتحفيز تغيير علاقة موسكو بإيران، وهي استراتيجية تقترح ثلاثة افتراضات رئيسية.
أولاً، إن روسيا قابلة لتحول سياسي واسع النطاق في الشرق الأوسط، حيث ستكون موسكو منفتحة على التعاون مع الولايات المتحدة، بدلاً من اعتبار واشنطن منافساً للنفوذ الإقليمي.
ثانياً، روسيا لديها القدرة لإجبار الأسد على إحداث تغييرات في سلوك النظام.
ثالثاً، الأهداف الروسية والإيرانية في سوريا متباينة بما فيه الكفاية للسماح للولايات المتحدة بتقسيم الطرفين.
وكما أن تاريخ العمليات الروسية في سوريا منذ تدخلها المباشر في الصراع في تشرين الأول/أكتوبر 2015 يشير إلى أن إدارة ترامب فشلت في قياس نوايا موسكو بدقة في سوريا. هذا أمر تكافحه إدارة أوباما – ووزير الخارجية جون كيري على وجه الخصوص.
فروسيا وإيران أطرافا تكافلية في سوريا، وتعتمد على بعضها البعض لتحقيق الهدف المشترك لهزيمة التحرك المناهض للأسد.
ووفقا لما ذكره “مايكل كوفمان”، المحلل في مؤسسة سنا، فإن نية روسيا هي “تشكيل المعارضة السورية في الداخل، من خلال القضاء على تلك الأجزاء منها التي تجدها غير مقبولة على طاولة المفاوضات …” ، وليس هناك دلائل على أن إيران وروسيا تراقبان دائما التكتيكات والعمليات في سوريا. لكن الواقع العسكري هو أن روسيا تدعم شركائها المتحالفين – نظام الأسد وحزب الله وإيران – في جهودهم الرامية في السيطرة على المزيد من الأراضي في سوريا، وهو هدف يخدم مصالح المتحالفين كلاً على حدى، ويمكن للمكاسب الروسية والإيرانية على الأرض أن تزيد من نفوذها للتوصل لأي اتفاق سلام في المستقبل.
في الوقت الحالي، لا يمكن لموسكو الضغط بشكل كافٍ على طهران، خشية أن تخاطر بما بذلته من جهود في دعم نظام الأسد.
وقد أقنعت إدارة ترامب نفسها بأنه بعد إيران يمكن أن تضغط بدورها على موسكو. ومع ذلك، فإن هذا يتجاهل حقيقة أن كلا الجانبين، على المدى القصير، لديه وسائل للتصعيد ضد المصالح الأمريكية، ولها مصلحة مشتركة في القيام بذلك.
وقد عززت هجمات الولايات المتحدة منطقة التنف و 55 كم حولها في الصحراء السورية. غير أن المليشيات المرتبطة بالأسد تصدت ضد التوسع في الأراضي شمال المنطقة إلى الحدود العراقية. والنتيجة الفورية هي أن التنف محاصرة الآن بقوات معادية. ويتعين على القوات الأمريكية في المنطقة أن تقاتل من خلال مواقع قوات الأسد للوصول إلى البوكمال، مما يزيد من خطر التصعيد.
ويجب على الولايات المتحدة الآن أن تفكر في استخدام المزيد من القوة العسكرية، أو التخلي عن التنف تحت ضغط المليشيات المدعومة من إيران. وهذا بالطبع سيقوض النفوذ الأميركي ويمكن أن يعزز الحجج من أجل المزيد من العمل العسكري الأمريكي لاستعادة المصداقية أو كسب النفوذ.
عذراً التعليقات مغلقة