من يتابع الإعلام الروسي، وبشكل خاص الناطق منه باللغة العربية، ويقارنه مع إعلام النظام السوري، يخرج باستنتاجين مهمين:
أولهما أن إعلام النظام هو ابن مدرسة الإعلام الروسي، سواء لناحية الأسلوب أو لناحية أسلوب أدلجة وسائل الإعلام التي تتبع لهما، من اختراع روايات كاذبة بهدف خدمة أهداف سياسية وتسويقها عبر وسائل إعلامه كحقائق، ولناحية آلية التعاطي مع الأحداث من وجهة نظر أحادية مع إعطاء أحكام قيمة لبعض المسميات حتى ضمن المواد الخبرية. أمّا الأمر الآخر الذي يمكن اكتشافه بسهولة، فهو التبعية المطلقة لإعلام النظام للإعلام الروسي، وتبنّيه السياسات التحريرية لوسائل الإعلام الروسية الرسمية بشكل أعمى، حتى على مستوى الترويج لمسائل تخدم روسيا، وليس لها أي علاقة بالشأن السوري.
فمع بداية الثورة السورية، اخترع النظام كذبة “المؤامرة الكونية”، ضمن سلسلة “المؤامرات” التي خرج بها حينها. بدأت وسائل إعلامه تروّج لروايات وقصص تم اختراعها ضمن الأفرع الأمنية، والتعاطي معها كحقائق ثابتة تُبنى عليها كل الأحداث والتحليلات. إحدى تلك الأكاذيب، أنّ دولة قطر صمّمت مجسمات للمدن التي تخرج منها المظاهرات. بالإضافة إلى كذبة “الإمارات السلفية” خلال فترة الثورة السلمية، وكذبة “مقلوبة الأسد” التي لا يصدقها حتى طفل صغير، والتي تقوم على مجموعة من الأكاذيب التي تظهر “قوة استخبارات النظام وتمكنه من الوصول حتى إلى مكاتب رؤساء الدول العظمى”، تم الترويج لها عبر وسائل إعلامه غير الرسمية.
في المقابل، نجد أن وسائل الإعلام الروسيّة تخترع أكاذيب مماثلة، وتروج لها على أنها حقائق. وكان آخرها الكذبة – البروباغندا التي نشرتها وكالة “سبوتنيك” الروسية عن قناة “الجزيرة”، وتحضيرها تمثيلية “هجوم كيميائي في إدلب” ونشر هذه الكذبة كحقيقة، ونشر تفاصيل توحي بالدقة، ومن ضمنها تورط الدفاع المدني السوري (أصحاب الخوذ البيضاء) ضمن هذه الكذبة، بهدف التغطية على مجزرة خان شيخون وتشويه صورة الدفاع المدني. وقد تبنت هذه الكذبة من مبدأ التبعية، كل وسائل الإعلام الرسمية السورية. قبل أن تتراجع الوكالة الروسية عنه بعد تهديد “الجزيرة” برفع دعوة ضدها، ليظهر مدى التطابق بين الإعلام الروسي والإعلام السوري لناحية اختراع الأكاذيب وتسويقها.
كذلك جاءت فبركة خبر العراك بين وفد المعارضة السوريّة ضمن مفاوضات جنيف، منذ يومين، والذي نشرته قناة “آر تي” على موقعها، في صلب نفس التوجّه. لم يصدر أي اعتذار من “روسيا اليوم” عن خبرها المزوّر، لكنها عدلته على الموقع من “مصدر: اشتباك بالأيدي في مقر إقامة المعارضين السوريين بجنيف” إلى “المعارضة السورية تنفي حصول مشاجرة بين أعضائها في جنيف”، علماً أن العنوان الأول لا يزال يظهر ضمن عنوان الموقع (URL)، عند فتح الخبر.
أما في ما يخص تبعية إعلام النظام للإعلام الروسي، فنجد أن معظم الأحداث المهمة التي تتعلق بمواقف النظام كانت تُسرّب عبر وسائل إعلام روسية، لتتبناها لاحقاً وسائل إعلام النظام الرسمية. وقد لوحظ العديد من التسريبات لقرارات ومواقف للنظام تم تسريبها عبر قناة “آر تي” (روسيا اليوم سابقاً) وغيرها، وأخذتها نقلاً عنها لاحقاً، الوكالة الرسمية للنظام “سانا”، خصوصاً المواقف الخاصة باتفاقات وقف إطلاق النار وبعض التسريبات الخاصة باجتماعات سرية وقرارات تتخذها القيادات السورية.
يكتشف من يتابع الإعلامين الروسي والسوري الرسميين، بسهولة، أن مدرسة واحدة هي من توجه كلا الإعلامين، وترسم سياستهما التحريرية، وهي المدرسة الاستخباراتية الروسية، مع فارق بسيط في المهنية لصالح الإعلام الروسي الذي يحاول أن يظهر بمظهر الموضوعي في بعض الأحيان.
- عبسي سميسم – العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة