* محمد السلوم
كان يوم إثنين من 2009، العائلة تنتظر أخي سامر لنتناول الغداء، تأخر كالعادة ثم تأخر أكثر، لم يجب على هاتفه الذي خرج عن الخدمة لاحقاً. وهكذا تحوّل القلق إلى بحث محموم لم يسفر عن نتيجة، اتصل والدي بالمخافر والمستشفيات ولكن دون فائدة، لم يره أحد.
يوم الثلاثاء لم يحمل جديداً أيضاً، الأربعاء حمل الفرج، خمس سيارات أمنية تحاصر الحي، وقوة من أفراد فرع الأمن العسكري يقودها عقيد تداهم منزلنا!
اقتحم العناصر البيت كالحمر المستنفرة، وراحوا يقلبونه رأساً على عقب، كنا جميعاً على رؤوسنا الطير باستثناء أمي التي لم تتوقف عن الدعاء عليهم بكسر أيديهم.
صرخ العقيد بأحد العناصر: خذوا الكمبيوتر. حمل العنصر شاشة الكمبيوتر القديمة ونزل بها، قالت أمي: هذه شاشة فقط يا بغل، الكمبيوتر تحت. رمقها العقيد بنظرة حقد، صرخ بالعنصر فأرجع الشاشة وحمل صندوق المعالج.
أثناء التفتيش عثروا على عشرات الأقراص التي كان سامر مواظباً على شرائها من بسطة أمام أحد المساجد عن حرب أفغانستان والشيشان والبلقان والعراق. كانت تباع أمام المساجد بكثرة، وعندما عثروا عليها توقفوا عن البحث وكأنهم وجدوا ضالتهم.
هكذا عرفنا أين سامر، الخطوة التالية كانت: كيف السبيل إليه!
وعلى الرغم من أن والدي كان شرطياً إلا أنه لم ينجح مطلقاً في الوصول إليه أو معرفة تهمته. هكذا ببساطة اختفى الشاب، ودخل في غياهب فروع المخابرات السورية الكثيرة.
بعد 45 يوماً اتصل بنا سامر، كان قد خرج للتو من فرع فلسطين في دمشق، ومع ساعات الصباح الأولى وصل حلب، نزلتُ ووالدي وحملناه إلى الطابق الخامس، حيث استقبلته أمي التي لم يتوقف عزاؤها المفتوح طوال فترة غيابه. ونظراً لعجزه عن الحركة أدخلته أمي إلى الحمام وقامت بتحميمه كوقت كان طفلاً.
كان سامر شريكي في الغرفة، ولا أخفي أنني في تلك الليلة استغليت شعوره بالضعف والاستسلام واستعداده للاعتراف بأي شيء، فحوّلت الليلة إلى سهرة تحقيق مطوّلة عرفت فيها كل ما حدث معه بأصغر تفاصيله.
تعرّض سامر للتعذيب أسبوعاً كاملاً في منفردة في فرع الأمن العسكري بحلب ليعترف أنه أمير تنظيم القاعدة في بلاد الشام، لم يفده الإنكار، وعندما وضعوا أمامه الأقراص المدمجة التي أخذوها من المنزل أكد لهم أنها اشتراها من بسطة أبي محمود في حي أقيول بحلب. في مساء ذلك اليوم كان أمام سامر 30 أبو محمود من حي أقيول. اختار منهم صديقه الذي كان يشتري منه الأقراص.
بعد أيام نُقل الاثنان في صندوق سيارة إلى فرع فلسطين بدمشق. هناك اختلف التعذيب؛ إيهام بالغرق، كهرباء، شبح، ضرب بالكرباج، منع من النوم. ثم في نهاية المطاف إسعاف إلى المستشفى العسكري، وهناك وضع إلى جانبه مجنّد ببندقية كانت وظيفته نكز سامر بأخمصها كلما غلبه النعاس.
بعد ذلك كله اعترف سامر بجريمته، وبصم على ورقة بيضاء. وأقسم أنه الأمير، وأن أسامة بن لادن هو من عيّنه شخصياً بعد أن أكلا البطاطا التي سلقها أيمن الظواهري لهما في كهف في تورابورا، وسكبا عليها زيت زيتون أخذه معه من كفرنبل!
بعد يومين جرى شحطه مجدداً ليمثل أمام جامع جامع رئيس الفرع، سأله عن سبب إدلائه باعتراف كاذب، وصرخ به قائلاً: هل تعلم أنك بهذا الكذب ضيعت وقتنا، وضللت العدالة. وأضاف: هل ضايقك أحد يا بني؟ هل ضغط عليك أحد؟ لقد عاملناك أحسن معاملة، فلماذا كذبت!
يقول سامر: في تلك اللحظة وأمام هذا الكم من الوقاحة وقفت ذاهلاً، وقد عجزت تماماً عن النطق بأي حرف. وانتهت المقابلة بأخذ سامر إلى التعذيب مجدداً لينال جزاءه على تضييع وقت الفرع وتضليل العدالة.
بعد مدة صرخوا باسمه واسم أبي محمود بائع الأقراص، أعطوهما أماناتهما ورموهما خارج الفرع.
كان سبب كل ما حدث أن أحد أصدقاء سامر كتب به تقريراً للأمن العسكري يتهمه فيه أنه: أمير تنظيم القاعدة في بلاد الشام! وبعد 45 يوماً من التعذيب اكتشف عباقرة فرع فلسطين أنه ليس أميراً!
كان حظ سامر أكبر بكثير من حظ غيره ممن شاهدهم في الفرع وسمع قصصهم، تلك القصص والتجربة التي جعلته يركض مع المظاهرات الأولى صارخاً: الشعب يريد إسقاط النظام!
- نقلاً عن: مدونات العربي الجديد
Sorry Comments are closed