* مروان قبلان
يوحي عنوان المقالة التي نشرها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في “العربي الجديد” (20 مايو/أيار الجاري) “مستعدون لإهداء السلام إلى المنطقة” بأمرين: اشتماله على اعترافٍ ضمني بأن إيران تنشر الخراب والدمار في أرجاء المنطقة، وإلا كيف يمكن فهم عرضها “إهداءنا السلام”، لولا أنها تصنع الحرب؟ والإيحاء الضمني بإمكانية إجراء مقايضة لتغيير هذا السلوك. إذا ابتلعنا كل شكوكنا وهواجسنا، وقرّرنا تلقف مبادرة الوزير ظريف، وأخذها على محمل الجد، نجد أنفسنا أمام سؤال كبير بشأن قدرة “الواقعيين” الذين تمثلهم إدارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على تجاوز سيطرة المرشد والحرس الثوري على سياسة إيران الخارجية، والدخول من ثم في هذا النوع من المقايضات الكبرى (Grand Bargains) مع جيرانهم العرب، على غرار مقايضة البرنامج النووي.
لكن، قبل الوصول إلى هذه النقطة، هناك مقدمات ينبغي الوقوف عندها وتوضيحها، حتى لا يكون لبس بشأن ما بعدها. أولها، أن العرب والإيرانيين محكومون “بحتمية” جغرافية، لا يد لهم فيها، لكنهم ليسوا محكومين بالضرورة بحتمية صراع أزلي، نتيجة أوهام الهيمنة التي ملأت بعض الرؤوس الفارغة إلا من بعض الأساطير التاريخية والأحلام الإمبراطورية، خصوصا بعد أن بينت السنوات الأخيرة عدم قدرة أي طرفٍ على إلحاق هزيمة كاملة بالآخر.
ثانياً، على الرغم من أصواتٍ هامشية “نشاز”، وعلى الرغم من كل ما فعلته وتفعله إيران في عموم المشرق العربي، هناك رفض عربي، لا بل وخليجي، واسع، على مستوى الشعوب والنخب، للحديث، أي حديث، عن “تحالف” أو “تعاون” عربي مع إسرائيل لمواجهة إيران، علماً أن الأخيرة استعانت بأسلحة إسرائيلية لمواجهة العراق خلال حرب الثماني سنوات (فضيحة إيران- كونترا).
فوق ذلك، هناك وعي مطلق بأن إسرائيل تستثمر الخوف العربي من سياسات التغوّل الإيرانية لدفع العرب إلى القبول بها، كما تستغل الصراع العربي- الإيراني لإضعاف الطرفين، وتكريس هيمنتها على المنطقة، وإيران من خلال سياساتها إنما تخدم الأجندة الإسرائيلية، وتسهّل مهمتها.
ثالثاً، كما نريد العيش بسلام وأمان، وتعزيز جهدنا لمواجهة تحديات التنمية ومحدودية الموارد والتغيرات البيئية والمناخية التي تمثل التهديدات الكبرى التي تواجه دولنا ومجتمعاتنا، نريد لإيران الشيء نفسه. نريد لها أن تكون دولةً طبيعية في مجتمع الدول، وأن تتمتع بأفضل العلاقات مع العالم، وأن تنفق مواردها على بناء مجتمعها، بدلا من إنفاقها على تدمير مجتمعاتنا، وأن يكون لها نظامها الذي يختاره شعبها، كما نريد لها أن تتركنا نختار النظام الذي نريده لأنفسنا. هنا، على إيران أن تكون منسجمةً مع ذاتها، ومع تاريخ ثورتها التي أسقطت الشاه والسافاك، لكنها تدعم اليوم قرينه السوري في السياسات والممارسات.
رابعاً، نرفض كل أشكال المواجهة الطائفية مع إيران، وبواعث هذه المواجهة سياسية، لا مذهبية، كما كانت عبر التاريخ، لأنها بلا أفق، وتهدّد بدمار العرب والإيرانيين معا. في المقابل، على إيران أن تكفّ عن اعتبار نفسها مسؤولةً عن كل شيعي في العالم، وأن تحترم سيادة الدول الوطنية، وأن تتوقف من ثم عن التدخل في شؤونها الداخلية. خامساً، أي مراقب بسيط، على الرغم من كل محاولات التعمية والتضليل ونظرية المؤامرة والأقاويل عن دور أجهزة الاستخبارات، بات يدرك أن “داعش” هو الابن الشرعي للسياسات الإيرانية، وظهوره يمثل رد فعل طبيعيا على ممارسات الهيمنة والإقصاء والطائفية التي تنهجها في سورية والعراق.
وإذا أرادت إيران، كما قال ظريف، أن تكون شريكاً كاملا في محاربة الإرهاب، عليها أن تحرمه مبرّرات التجنيد والتمويل، وتشل قدرته على الحركة من خلال تغيير سياساتها، وهنا تكون مساهمتها الكبرى.
بهذا يحصل التغيير الذي ينشده ظريف، لا من خلال ممارسات دعائية، أو “شطارات” بروتوكولية ظريفة، أو مقالاتٍ صحفية، باعثها الأساسي القلق من تفاهمات عربية- أميركية. وهذا التغيير إن صدق يجب أن يبدأ من سورية، ويمكن لظريف وروحاني أن يستخدما التفويض الشعبي الذي حصلا عليه، أخيرا، للدفع بهذا الاتجاه، وإثبات أنهما جادّان في ذلك. إذا حصل هذا، سيجد ظريف من هو مستعد لملاقاته على الضفة الأخرى.
- نقلاً عن: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة