* حسان حيدر
الافتراض القائل أن العرب مستعدون للتنازل في خصوص التسوية مع إسرائيل لأنهم منشغلون بمواجهة التدخلات الإيرانية في شؤونهم، ثبت خطأه خلال قمم الرياض الأخيرة التي شهدت تأكيد التمسك العربي بمبادرتها للعام 2002، أي صيغة الأرض في مقابل السلام وحلّ الدولتين.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رأى خلال زيارته إسرائيل «فرصة نادرة لتحقيق الأمن والاستقرار وإحلال السلام، عبر هزيمة الإرهاب»، ومن خلال «إدراك العرب والإسرائيليين أن لديهم قضية مشتركة في التهديد الذي تمثله إيران». ومع أنه وعد بتقديم «مبادرة سلام» بين الفلسطينيين وإسرائيل في غضون أسابيع، إلا أن ما تسرب عن مقاربته، على ندرته، يشير الى أنها حلّ «بالتجزئة» يمهد تدريجاً لإبرام تسوية «بالجملة».
من الواضح أن مفهوم ترامب للتسوية يقوم على «معالجة الأخطار الأكثر تهديداً» بما يتيح الوصول الى تلك «الأقل خطراً». وهو هنا يقدم تقييماً مختلفاً لأزمات الشرق الأوسط عمن سبقوه الى البيت الأبيض، بدءاً من النزاع العربي – الإسرائيلي، مروراً بالتهديد الإرهابي والتطرف، ووصولاً الى التدخلات الخارجية، وخصوصاً الإيرانية، في شؤون دول المنطقة العربية، ويعيد كذلك ترتيب الأولويات للوصول الى ما يصفه بـ «الصفقة الكبرى».
وهو يختلف في ذلك تماماً عن باراك أوباما الذي بدأ عهده بتأكيده للعالم الإسلامي أن قضية فلسطين هي لب مشكلة الشرق الأوسط وأن إيجاد حل لها أو وضعها على سكة الحل سيسهل التعامل مع الملفات الأخرى في المنطقة وبينها إيران والتطرف، قبل أن يعلن يأسه من القدرة على إيجاد حل بين تل أبيب ورام الله، ويتوقف عن أي جهد في هذا الخصوص منذ العام 2014.
لكن أوباما حاول في المقابل أن يعوض فشله في الملف الفلسطيني بـ «نجاح» في الملف الإيراني، ولهذا قدم كل التنازلات الممكنة لطهران من أجل إبرام اتفاق معها حول ملفها النووي، ما شكل دفعاً قوياً لسياسة النظام الإيراني القائمة على تحصيل ما أمكن من أميركا والغرب، والتدخل ما أمكن في الجوار الاقليمي. و «اضطُر» أوباما الى مسايرة هذه المعادلة الإيرانية لأن هاجسه كان أيضاً تحقيق ما يمكن تحقيقه قبل انتهاء ولايته الثانية، ولو على حساب المصالح الأميركية البعيدة المدى وحلفاء الولايات المتحدة.
وعلى رغم أن وصول ترامب الى الرئاسة عنى البدء في عكس هذا التوجه، إلا أن الثابت حتى الآن، بالنسبة الى العالم العربي، هو وجود مسارين منفصلين: مواجهة إيران والسعي الى تحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، لأن الخلط بين الأمرين أو الربط بينهما قد يخلق أوهاماً غير مبررة، ويفتح الباب أمام مناورات لا تسهل تحقيق تقدم في أي منهما.
ويجب أن لا ننسى أن إسرائيل استغلت الى أقصى الحدود الخطاب الدعائي الإيراني الذي يتحدث عن «إزالة الكيان الصهيوني»، والحرب التي شنها «حزب الله» في 2006 لأغراض لا علاقة لها بفلسطين، كي تتنصل من أي تسوية مع الفلسطينيين، وتتهرب من ملاقاة المبادرة العربية.
ولا بد من التذكير أيضاً بأن عداء إيران المفترض لإسرائيل يتخذ من حقوق الفلسطينيين حجة لمواصلة تغلغلها في المنطقة، وأن إسرائيل أعطت بعدوانيتها ورفضها الاعتراف بالحقوق الفلسطينية الذرائع لإيران لاستمرار التخريب على السياسة الجماعية العربية. ولذا من الضروري الفصل بين الملفين والمسارين، لأن تداخلهما يصبّ في مصلحة إيران وإسرائيل كلتيهما.
- نقلاً عن: الحياة اللندنية
عذراً التعليقات مغلقة